كلّ الشعوب التي عاشت على أطراف هذه الأرض، تمتلك ميراثًا ثقافيًّا يخصّها، وهو يجعلها تتفرّد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم النّاس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “حظّ إدغه”.
فيم يضرب مثل: “حظّ إدغه”
أمّا مثل: “حظّ إدغه”، فهو مثل قديم معروف فهو في الأصل حول امرأة تُدعى: “إدغه”، وهي امرأة بدوية ضرب بها المثل في الحظّ، فهي على سذاجتها المتناهية وسوء تصرفها في الموقف، إلّا أنّها كانت جيّدة الحظّ، ولهذا يُقال لمن ينعم بالحظّ دون أن يكون ذكيًّا أو مخطّطًا جيّدًا للأمور: “حظّك كحظّ إدغه”، وقد تناولت الكثير من الأمثال الشعبية فكرة وجود الحظّ في حياة النّاس، كالمثل القائل: “باخد بختي من حجر أختي”، و”الحظّ لما يواتي يخلّي الأعمى ساعاتي”، وعن الحظّ السّيّء ذُكر في الموروث الشّعبي: “سبع صنايع والبخت ضايع”، و”المتعوس متعوس لو علّقوا بحلقه فانوس”، وغير ذلك من الأمثال التي يزخر بها الموروث العربيّ الأصيل.
قصة مثل: “حظّ إدغه”
أمّا عن قصّة مثل: “حظّ إدغه”، فيُروى أنّ إدغه قد تزوّجت من رجل متزوّج من أخرى، وكانت الزّوجة الأولى تنتهز الفرص لإيذاء إدغه، غير أنّ إدغه البدويّة كانت طيبة إلى حدّ السّذاجة والبله، وفي أحد الأيّام دخلت إدغه على ضرّتها فوجدتها تلبس بيدها أساور جميلة فأعجبتها، فما كان منها إلّا أن سألتها من أين أتيتِ بها؟ فردّت الزّوجة الأولى بلؤم ودهاء: رزقة وجاءتني يا إدغه إن كنتِ تريدين مثلها، فاذهبي خلف بيت الشّعر وضعي يدك بالجحر الذي هناك وستجدين الرّزقة.
كان مقصد الزوجة الأولى بذلك أن تؤذي إدغه بشكل متعمّد، إذ كانت تدفعها لأن تضع يدها في جحر الدّاب، كي يلدغها وتموت، ولكن سبحان الله حظّ إدغه التي ما إن وضعت يدها حتى شعرت بشيء، فما إن سحبته وجدته سوارًا من الفضّة، فعادت به فرحة وسعيدة إلى بيت زوجها، فزاد الحقد في قلب ضرّتها، وظلّت تتحيّن فرصة أخرى للإيقاع بإدغه.
جاء اليوم الذي قرّرت فيه القبيلة الارتحال من واديهم إلى وادٍ آخر، بحثًا عن الطّعام والمرعى، وكان من المعروف عند أهل البادية أنّ فكّ بيت الشّعر وتركيبه من اختصاص المرأة، فسبق الزّوج مع الرّجال كي يجمعوا باقي الأشياء، وطلب إلى زوجتيه أن تقابلاه عند مورد ماء الإبل عند الانتهاء من فكّ بيت الشّعر، ووضعه على البعير الخاص بهم، وحينها دخلت إدغه على ضرّتها فوجدتها تأكل كبدًا، فسألتها: من أين جئتِ بها؟
قالت الزّوجة الماكرة: لقد قمت ببقر بطن جملي وأخرجت كبده كي آكله، وها هو قد تعافى ويقف أمامك الآن، فقامت إدغه السّاذجة ببقر بطن بعيرها لتخرج كبده، فمات البعير هناك سخرت منها ضرّتها، وحملت بيت الشّعر على بعيرها؛ للّحاق بزوجها ،وعندما وصلت، قالت: إنّ إدغه طلبت إليها أن تسبقها، وستلحقهم ببعيرها لأنّها تعرف المكان، وفي هذا الوقت كانت المسكينة إدغه وحدها في الخلاء، لا شيء معها سوى جثة بعيرها.
اشتدّت الوحدة والخوف بإدغه، عندها قررت أن تمشي على غير هدى، لعلّها تصل إلى وجهتها، وبعد فترة وصلت إلى تلٍ عالٍ، ومن خوفها وسذاجتها، أخذت تصيح بصوت عالٍ: “يا أخوالي جاءكم أعمامي”، فسمعها بعض الغزاة، والّذين كانوا يجلسون أسفل التّل يجمعون الغنائم التي حصلوا عليها من غزوهم، فظنّوا أن واحدة من نساء البلد التي غزوها تهلّل لقرب أعمامها للانتقام منهم.
فرّ الغزاة هاربين، وتخلّفوا وراءهم كلّ ما جمعوا من مال وحلال وغنائم، ولما أتى الصّباح، نزلت إدغه من أعلى التّل؛ فوجدت أمامها غنائم وأموال لا حصر لها، فجمعته وسارت في الخلاء إلى أن هداها الله لعشيرتها، فلمّا أقبلت عليهم، ورأتها ضرّتها صاحت مقهورة: “يا حظّ إدغه”، ومن ذلك الوقت صار هذا المثل يُضرب في الشّخص المحظوظ رغم سذاجته الشّديدة، وبلهه الزائد عن الحدّ.