أشأم من البسوس

اقرأ في هذا المقال


لقيت الأمثال العربية ذيوعاً وانتشاراً؛ وذلك لما فيها من خفة وعمق في المعاني، ولما تحمل بين طياتها من حكمة، وهي على إيجازها تصيب الغرض المرجوّ منها، وهي صادقة في تصويرها لحياة الشعوب العامة ولأخلاقها، قال النظام: “يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبية وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة”.

أصل مثل “أشأم من البسوس” – وفيم يضرب؟

وُجدت الأمثال العربية منذ زمن طويل، وهي تحكي وتعبّر بإيجاز قصص وأساطير وأحداث، وفي الأغلب يكون المثل نابعاً من أمر حدث في فترة ما، وقد عُرف العرب في شبة الجزيرة العربية بضرب الأمثال، والتي تعبر عن أيامهم وحوادثهم، ويُضرب مثل أشأم من البسوس في حال الشؤم، ونذير الحروب والخراب، وهذا بسبب ما جرّته البسوس على العرب من حروب ودمار، دامت مدة أربعة عقود من الزمان، حيث أشعلت ويلات الحرب بين العرب، وذلك بسبب ناقتها، فقيل المثل أشأم من البسوس.

قصة مثل “أشأم من البسوس”:

أما البسوس فهي “البَسوس بنت منقذ”، وقد عُرف عنها أنها شاعرة جاهلية، ويُضرب المثل بشؤمها، وإليها نسب المؤرخون حرب البسوس، والتي حدثت في تهامة، ودامت رحاها تطحن العرب أربعين سنة، وأما طرفا النزاع في تلك الحرب، فهما قبيلتا تغلب وبكر بن وائل ومن حالفهما من القبائل العربية، وقد انتصرت قبيلة تغلب في أربعة حروب وبكر في حرب واحدة، ودارت المعارك في تهامة.

تدور أحداث قصة مثل “أشأم من البسوس”، لما خرجت البسوس بناقتها؛ لتزور ابن أختها “الجساس بن مرة”، وخلال الزيارة خرجت ناقة البسوس كي ترعى مع أبل ابن أختها، إلا أن الناقة انطلقت إلى أرض “كليب بن ربيعة“، والذي كان سيد قبيلة تغلب وزوج أخت الجساس “جليلة”، فلما عرف كليب أن الناقة قد اقتحمت أرضه، وقد عُرف أنه لم يكن يحب أن تقول زوجته: “إن أخاها يساوي كليبًا في العزة”، إذ كان يُضرب به المثل في العزة، حتى قيل: “أعزّ من كليب”، حينها قام بقتل الناقة.

لما سمعت البسوس بمقتل ناقتها، ثارت، وقالت عبارتها المشهورة، والتي أشعلت نار الحرب: “واذلاه”، واستنجدت بجساس، فأخبرها أنه سوف يأتيها بمئة ناقة، غير أنها هجته بشعرها، وعايرته بقلة النخوة، فخرج فقتل كليباً، فلما جاء أبوه نادماً، أشار إليه بالهروب حتى لا تتغلب قبيلة تغلب على بني بكر، فلما جاء المهلهل بن ربيعة أخو كليب طالب بثأر أخيه، فطلب أن يأخذ هماماً أخا الجساس ليقتله، غير أن قبيلة بني بكر رفضت ذلك، فاشتعلت الحرب بين القبيلتين نحو أربعين عاماً، ومن حينها ضربت العرب البسوس مثلاً في الشؤم والخراب.


شارك المقالة: