أمثال العرب بين الجاهلية والإسلام

اقرأ في هذا المقال


لقد أبدع أغلب العرب في ضرب الأمثال في شتى المواقف والأحداث، فلا تخلو مواقف الحياة العامة إلا ونجد مثلًا ضُرب عليه، ولا نجد خطبة معروفة، ولا قصيدة سائرة إلا احتوت مثلًا رائعًا مؤثرًا في حياتنا.

أهمية الأمثال:

تُعدّ الأمثال من أصدق أنواع النثر الأدبي، التي تتحدث عن أخلاق الأمم وتفكيرها وعاداتها و تقاليدها، كما أن الأمثال تصور حياة المجتمع بكافة جوانبها، وتعكس شعور قائلها ومن يتمثل بها بشكل دقيق، وتُعتبر الأمثال مرآة الحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية، وفي الحقيقة تُعدّ الأمثال أقوى دلالة من الشعر في ذلك؛ لأن الشعر لغة طائفة ممتازة، أما هي فلغة جميع طبقات المجتمع.

سمات وخصائص الأمثال:

الأمثال لقيت ذيوعًا وانتشارًا؛ وذلك لخفتها وعمق معانيها، ولما فيها من حكمة، وكما أنها تصيب الغرض المنشود منها، وهي صادقة في تصويرها لحياة الشعوب العامة ولأخلاقها، قال النظام: “يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبية وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة”.

للأمثال غالبًا حكاية:

للأمثال في أغلب الأحيان حكاية، أي أن الحدث الأصلي الذي ضُرب فيه المثل يكون حكاية قادت في النهاية إلى ضرب المثل، والفارق الزمني الذي يمتد لمئات السنين بين ظهور تلك الأمثال، ومحاولة شرحها أدت إلى احتفاظ الناس بالمثل؛ لسهولته وخفته، وذلك أدّى إلى أن يترك الناس القصص التي أدت إلى ضرب الأمثال، وفي الغالب تغلب روح الأسطورة على الأمثال التي تدور في القصص الجاهلية مثل الأمثال الواردة في قصة الزباء ومنها ” لا يطاع لقصير أمر ولأمر ما جدع قصير أنفه، وبيدي لا بيد عمرو”، وكذلك الأمثال الواردة في قصة ثأر امرؤ القيس لأبيه ومنها: ” ضيعني صغيرًا وحملني ثأره كبيرًا، ولا صحو إليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر“.

أشهر حكماء العرب الذين أُشتهروا بالأمثال:

لربما تمكن المحققون بجهد كبير أن يرجعوا بعض تلك الأمثال إلى أصحابها الأصليين ومبدعيها، فمن حكماء العرب عدد كبير اشتهر بابتكاره وإبداعه الأمثال بما فيها من عمق وإيجاز وسلاسة، يقول الجاحظ: “ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء: أكثم بن صيفي وربيعة بن حذار وهرم بن قطيعة وعامر بن الظرب ولبيدبن ربيعة”، وأما أحكمهم أكثم بن صيفي التميمي وعامر بن الظرب العدواني، فأما أكثم فكان من المعمرين، ويقال إنه لحق الإسلام وحاول أن يعلن إسلامه فركب متوجهًا إلى الرسول صلى الله علية وسلم، غير أنه مات في الطريق، وتدور على لسانه حكم وأمثال كثيرة، وقد ساق “السيوطي” في كتابه “المزهر” طائفة منها نقلًا عن ابن دريد.
أما الأمثال التي وردت على لسان أكثم بن صيفي، فهي جرت على هذا النسق: “رب عجلة تهب ريثًا”، “ادرعوا الليل فإن الليل أخفى للويل”، “المرء يعجز لا محالة”، “لا جماعة لمن اختلف”، “لكل امرئ سلطان على أخيه حتى يأخذ السلاح، فإنه كفى بالمشرفية واعظًا”، “أسرع العقوبات عقوبة البغي”، وعامر بن الظرب مثل أكثم بن صيفي يدخل في المعمرين، ويُقال إنه لما أسن واعتراه النسيان، أمر ابنته أن تقرع بالعصا إذا هو حاد وجار وانحرف عن الحكم وجار عن القصد”، وابنته كانت من حكيمات العرب حتى جاوزت في ذلك مقدار صحر بنت لقمان وهند بنت الخس، وقال “المتلمس” في ذلك: لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما.

اللغة في الأمثال العربية:

إن الأمثال العربية لم تأتِ بذلك المستوى من الرقي والانضباط في الأسلوب، مثل التي أتى بها أكثم بت صيفي وعامربن الظرب، بل إن الكثير من الأمثال في الجاهلية تخلو من الفن التصويري، وذلك بطبيعة الأمثال فإنها ترد على الألسنة بشكل عفوي، وكما أنها تأتي على ألسنة العامة لا محترفي الأدب، فلم يكن من الغريب أن يخرج البعض منها عن القواعد الصرفية والنحوية دون أن يعيبها ذلك، مثل: “أعط القوس باريها”، وذلك بتسكين الياء في باريها والأصل فتحها، وكذلك “أجناؤها أبناؤها”، فقد جمعوا جان على أجناء، أما القياس الصرفي فهو جناتها؛ لأن فاعلًا لا يُجمع على أفعال، وهذا يثبت أن المثل لا يتغير بل يجري كما جاء على الألسنة، وإن خالف النحو وقواعد التصريف.

كما أن بعض أمثال العرب قد غلب الغموض عليها، حيث إنها تدل في تركيبتها على معنىً محدد، لا تفسره الكلمات المفردة، ومن تلك الأمثال، قول العرب: “بعين ما أرينك”، أي أسرع، ولم يكن هذا النوع من الأمثال هو الوحيد بل هناك أمثال صدرت عن شعراء مبدعين وخطباء مرموقين، فجاءت راغبة الأسلوب متألقة بما فيها من جماليات الفن والتصوير، مثل: “أي الرجال المهذب”، فهذا المثل جزء من بيت للنابغة يضرب مثلًا لاستحالة الكمال البشري، والبيت هو “ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب”.

يصعب أن نميز أمثال في العصر الجاهلي عن الإسلامي؛ وذلك لاختلاطهما ببعضهما عند الرواة والمؤلفين، غير أن الذي يشير إلى المثل من حدث أو حكاية أو أخبار من التي تتصل بالجاهلية أو الإسلام، يساعد على معرفه الجاهلي وتمييزه من الإسلامي، مثل: “ما يوم حليمة سر”، وحليمة بنت ملك غسان، ويُضرب هذا المثل للأمر المشهور الذي لا يكاد يجهل، وقد يدل علي جاهلية المثل أن يكون مخالفًا لتعاليم الإسلام ومبادئه، مثل: “اليوم خمر وغدًا أمر”.

الأمثال إما أن تكون حقيقية أو فرضية فالحقيقية: لها أصل وقائلها معروف على الأغلب، والفرضية ما كانت من تخيل أديب، ووضعها عل لسان طائر أو حيوان أو جماد أو نبات أو ما شابه ذلك، والفرضية تساعد علي النقد والتهكم والسخرية، وبشكل خاص في عصور الاستبداد والظلم، وتُعدّ وسيلة ناجحة للوعظ والتهذيب والفكاهة والتسلية، مثل: “كليلة ودمنة وسلوان المطاع وفاكهة الخلفاء”.

 قصة حقيقية أدت في النهاية إلى ضرب مثل:

يُحكى أن حُنينًا كان إسكافًا قد ساومه أعرابي على خفين له فاختلفا، فرغب حنين أن يقهر الأعرابي ويغيظه، فقام حُنين بأخذ أحد الخفين، ثم رماه في الطريق، ثم ألقى الآخر في مكان آخر، فلما مر الأعرابي بالخف الأول، قال: ما أشبه هذا بخف حنين، ولو كان معه الآخر لأخذته، ثم مشى فوجد الخف الآخر، فترك راحلته، وعاد ليأتي بالخف الأول، وكان حُنين يكمن له، فسرق راحلته ومتاعه، وعاد الأعرابي إلى قومه يقول لهم جئتكم بخفي حنين، ويُضرب مثل “رجع بخفي حُنين”، لمن خاب مسعاه.



شارك المقالة: