تفسير سورة القصص

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿طسۤمۤ (١) تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ (٢) نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ (٤)﴾ [القصص ١-٤] صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية :

أنّها بُنيت على محورين ، المحور الأول: قصة فرعون وقصة قارون.

موافقة أول السورة لآخرها:

بدأت السورة الوعد من الله تعالى لأم سيدنا عليه السلام برجوعه رسول من الله ومؤيد من عند الله قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) ﴾ صدق الله العظيم.

وخُتمت بوعد الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم برجوعة منتصراً قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) ﴾ صدق الله العظيم.

وذلك لكي يُعلم عباده أنّه وعده حق، وأنّه ناصرٌ لأوليائه، وكذلك ليملأ قلب العبد يقيناً وثقةً بربه.

المحور الرئيسي للسورة:

الثقة بوعد الله لعباده.

مواضيع السورة المباركة:

  • قصة ذلك الحاكم الظالم، الذي آتاه الله سبحانه وتعالى الحكم والسلطة، مع ذلك تكبر على أوامره ودعوته ، وحارب وطغى وتجبر، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ صدق الله العظيم [القصص ٤].
  • قصة قارون صاحب المال والنفوذ، الذي رزقه الله المال والغنى مع ذلك نسي المنعم، ولما جاءته الأدلة والبينات، لم يقبلها وأنكر فضل الله عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) ﴾ قال الطبري: وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب ﴿كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ يقول: كان من عشيرة موسى بن عمران النبيّ ﷺ، وهو ابن عمه لأبيه وأمّه، وذلك أنّ قارون هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى: هو موسى بن عمران بن قاهث، كذا نسبه ابن جُرَيج.
  • وعد الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، بالرجوع إلى بلده مؤيدا منتصر مظفر، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) ﴾ صدق الله العظيم، وقال مقاتل: إنّه عليه السلام خرج من الغار وسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق ونزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة واشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل جبريل عليه السلام وقال: تشتاق إلى بلدك ومولدك، فقال عليه السلام: نعم، فقال جبريل عليه السلام: فإنّ الله تعالى يقول: ﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ يعني إلى مكة ظاهراً عليهم

فوائد ولطائف السورة المباركة:

  • من أجمل المفارقات الجميلة في سورة القصص، التشابه العجيب والكبير بين قصة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم ، وقصة سيدنا محمد عليه السلام، منها خروج سيدنا موسى 8 سنوات من مصر، وكذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم خروجه من مكة المكرمة.
  • من يعطي في كل الأوقات حتى في حاجته وشدته ، هو الكريم ، فسيدنا موسى عليه السلام خدم المرأتين رغم حاجته وشدته قال تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلۡقَاۤءَ مَدۡیَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّیۤ أَن یَهۡدِیَنِی سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ (٢٣) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰۤ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّی لِمَاۤ أَنزَلۡتَ إِلَیَّ مِنۡ خَیۡرࣲ فَقِیرࣱ (٢٤)﴾ [القصص ٢٢-٢٤] صدق الله العظيم.
  • من أعظم صفات النساء (الحياء) قال تعالى: ﴿فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَمْشِي عَلى اسْتِحْياءٍ﴾ صدق الله العظيم،  فقوله قال الرازي: ﴿على استحياء﴾ في موضع الحال أي مستحيية، قال عمر بن الخطاب: قد استترت بكم قميصها، وقيل: ماشية على بعد، مائلة عن الرجال.
  • لا مانع أن يقوم ولي الأمر أن يخطب لابنتهـ إذا وجد الرجل المناسب لها، قال تعالى: ﴿قالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ صدق الله العظيم.
  • – قال تعالى : ﴿قالَتْ إحْداهُما ياأبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأمِينُ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: ففيه مسائل:
    المسألة الأولى: وصفته بالقوة لما شاهدت من كيفية السقي، وبالأمانة لما حكينا من غض بصره حال ذودهما الماشية، وحال سقيه لهما، وحال مشيه بين يديها إلى أبيها.
    المسألة الثانية: إنما جعل ﴿خير من استأجرت﴾ اسماً و﴿القوي الأمين﴾ خبراً مع أنّ العكس أولى؛ لأنّ العناية هي سبب التقديم.
    ّالمسألة الثالثة: القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما الفطنة والكياسة، فلم أهمل أمر الكياسة ؟ ويمكن أن يقال: إنّها داخلة في الأمانة. عن ابن مسعود رضي الله: ”أفرس الناس ثلاثة؛ بنت شعيب، وصاحب يوسف، وأبو بكر في عمر“ .
  • قوله تعالى: ﴿آنَسَ مِن جانِبِ الطُّورِ﴾ صدق الله العظيم، قال أهل التفسير: أي أبصر من الجهة التي تلي الطور لا من بعضه كما هو المتبادر، وأصل الإيناس على ما قيل الإحساس فيكون أعم من الإبصار.
  • قوله تعالى: ﴿فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ مِن شَـٰطِىِٕ ٱلۡوَادِ ٱلۡأَیۡمَنِ فِی ٱلۡبُقۡعَةِ ٱلۡمُبَـٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّیۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [القصص ٣٠] صدق الله العظيم، قال علماء التفسير: موسى لمّا رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنّه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلّا الله فعلم بذلك أنّ المتكلم هو الله تعالى.
  • قال تعالى: ﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤] صدق الله العظيم، قال الرازي: قال قتادة: إنّها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة حقة يتمسكون بها، فلما بعث الله تعالى محمدا آمنوا به من جملتهم سلمان وعبد الله بن سلام.
    ثم قال رحمه الله تعالى: وهم يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بمحمد ﷺ قبل بعثته وبعد بعثته، وهذا هو الأقرب؛ لأنّه تعالى لما بين أنّهم آمنوا به بعد البعثة، وبين أيضا أنّهم كانوا مؤمنين به قبل البعثة، ثم أثبت الأجر مرتين وجب أن ينصرف إلى ذلك.
  • وثانيها: يؤتون الأجر مرتين مرّة بإيمانهم بالأنبياء الذين كانوا قبل محمد ﷺ، ومرّة أخرى بإيمانهم بمحمد ﷺ .

شارك المقالة: