تأملات في اسم الرحمن والرحيم :
﴿ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾ [الفاتحة ٣]
ما أرحم الله إذ عَلمنا كيف نقولُ حين تعجز الألفاظ عن وصفِ نعمة وجوده، وما أرقَّ وألطف افتتاح أنوار هداياته للخلق أجمعين بذكرِ أحقيته بالحمد التام دون سواه سبحانه وتعالى.
وما أعذب التنويه أنّه تعالى ” رب العالمن” وليسَ رب فئةٍ أو فصيلٍ أو شعبٍ أو عرقٍ، فرحمته وبِره ونعمه تعم كل الخلق أجمعين، في كلِ وقتٍ وحين، فله الحمدُ والسؤدد القديم.
يقول علماؤنا أنّ ( ال) في كلمة (الحمد) في سورة الفاتحة، تعني أنّ الحمد بكل صوره في كلِ وقتٍ هو ل ﴿ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ وذلك أنّه كما قال عن نفسه: ﴿ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾ فكان أغلى وأرقى ما نحمد الله عليه هو رحمته التي تعم كل حيٍ وخصوصها لعباد الله المتقين، فالحمد لله رب العالمين، والحمد كما قال العلماء: هو الثناء على المحمود بأفضاله وإنعامه، والثناء عليه بصفات الجلال والجمال.
فرحمته سبحانه وتعالى لا تخص خلقاً دون خلق، فهو (ٱلرَّحۡمَـٰنِ) بعمومِ خلقه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِی یُصَلِّی عَلَیۡكُمۡ وَمَلَـٰۤىِٕكَتُهُۥ لِیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَحِیمࣰا﴾ صدق الله العظيم[الأحزاب ٤٣] فخصّ المؤمنين باسمه الرحيم، وعمّم الرحمن لجميع خلقه وقال عن نبيه محمد صلوات ربي وسلامه عليه: ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم [التوبة ١٢٨] وهذا تخصيص الرحمة للمؤمنين، ولكن عندما قال عن نفسه : ﴿ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ صدق الله العظيم[طه ٥] فذكر الاستواء بالرحمن، ليعم جميع خلقه برحمته، فلم يقل: (العزيز، أو القوي على العرش استوى )، فتأمل رحمته على خلقه.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمّا خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية: غلبت غضبي، وفي رواية: سبقت غضبي.
وما جاء في الحديث، وقد أخبرنا بها نبينا – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الصحيحين؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قال رجل لم يعمل خيرًا قط لأهله:...))، وفي رواية: ((أسرف رجل على نفسه، فلمَّا حضره الموت أوصى بنِيه إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلمَّا مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: لِمَ فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر له)).
