يزخر التراث العربي بالحكم والمواعظ والأمثال، وقد تكون هذه الأمثال وردت في بيت من الشعر، أو هي جاءت على هيئة نصيحة وحكمة فجرت على الألسن وتناقلها النّاس، وعلى الأغلب كانت الأمثال وليدة مواقف وأحداث مختلفة، ومثلنا اليوم: “خذ من جذع ما أعطاك”، وهو مثل قديم، له حكاية ضمّتها صفحات أمّهات الكتب التي تُعنى بالأمثال.
فيم يضرب مثل: “خذ من جذع ما أعطاك”
لقد أحسن العرب استغلال أغلب الحوادث لتكون ثمرته الأمثال والحكم، والتي انتشرت وشاعت بين البشر على مرّ العصور والأزمنة، ومن الأمثال العربية الأصيلة المثل القائل: “خذ من جذع ما أعطاك”، إذ اتّخذ العرب هذه المقولة للتّعبير عن اغتنام أيّ شيء يجود به البخيل، ولهذا المثل قصّة أسهمت في تحويل العبارة إلى فهمها بهذا المعنى.
حكاية مثل: “خذ من جذع ما أعطاك”
فيما يُروى عن قصّة مثل: “خذ من جذع ما أعطاك”، أنّ جذعًا هذا هو اسم لرّجل كان يُعرف بجذع بن عمرو الغسانيّ، إذ كان ينتمي إلى بني غسّان، والذين كانوا ملتزمين بدفع دينارين من كلّ رجل منهم إلى ملك سليح، وكان سبطة بن المنذر السّليحيّ هو الذي يتولّى هذه المهمة، حيث كان يذهب إلى جمع الأموال المطلوبة من رجال غسّان.
لمّا ذهب سبطة بن المنذر ليأخذ الدّينارين من جذع، تركه جذع ودخل إلى منزله، ثم خرج وهو يحمل سيفه، إذ أعلن رفضه لدفع الدينارين، وزاد الأمر سوءًا أنّه أقدم على ضرب سبطة حتى برد بذلك السيف الذي كان يحمله، ثم توجّه إليه بالقول: “خذ من جذع ما أعطاك”، وقد تسبب ذلك في امتناع غسان عن دفع الإتاوة المفروضة عليهم بعد هذه الحادثة.
منذ ذلك الوقت صارت مقولة: “خذ من جذع ما أعطاك”، مثلًا عربيًّا تم تناقله بين العرب وفي كتب الأمثال، حيث تمّ استخدامه للتعبير عن اغتنام الفرصة حينما يجود البخيل بأيّ شيء، وذلك أنّ جذعًا لم يعطِ سبطة أموالًا، بل إنّه منحه ضربات بالسّيف، وهو يخبره بأن يأخذ ما أعطاه إياه وكأنّه منحه شيئًا عظيمًا، وهكذا تكون نظرة البخيل حينما يعطي أي شيء حتّى ولو كان بسيطًا جدًا أو حتى مؤذيًا، فهو يعتقد أنّه أخرج شيئًا كبير القيمة.