خطاب المناظرة في الأدب الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تطور الأدب في العصر الأندلسي بشكل كبير نتيجة لعِدّة أحداث مرّت على الأندلس، فظهرت العديد من الآداب المستحدثة، كما ظهر فيها العديد من آداب المشرق العربي الذي كان له أثر واضح في ازدهار الأدب في الأندلس، وفي هذا المقال سنتناول فن المناظرات في الأدب الأندلسي.

المناظرات في الأدب الأندلسي

شاع فن المناظرات في العصر الأندلسي، ولقد لاقى هذا الفن رواجًا كبيرًا في الوسط الأندلسي، وهو عبارة عن جدال ومناقشة تتم بين طرفين أو بين مجموعتين، يعتمد على المفاضلة بين شيئين، وفي هذه المناظرة يقوم كل طرف بذكر الصفات والمميزات له، ويجب عليه أن يكون ذلك مستند على الحقائق والأدلة والبراهين كي تقوي وتدعم أقواله.

وقد تبنى هذه المناظرة بين فريقين يتحدثان عن موضوع خيالي لا وجود له، وقد تبنى على حقيقة فعلية، وتميز أدباء أهل الأندلس في هذا النوع من الفنون، حتى أنهم طوروه، واستحدثوا فيه حتى أنهم تغلبوا على أهل المشرق في هذا الفن.

انتشر فن المناظرة وذاع صيته في بلاد الأندلس، ويعود سبب ذلك إلى عدة عوامل، ومنها: التعلق الشديد من قبل ملوك وأمراء الأندلس بهذا الفن، وقد اهتموا به بشكل كبير دفع ذلك إلى نشوء التنافس بين كتّاب المناظرات في ذلك العصر، ومن أهم العوامل كذلك البيئة الأندلسية الخلابة التي كانت هي الملهم الأول لشعراء وأدباء الأندلس، وكذلك كان طابع المنافسة التي وجدت بين كتّاب المشرق وكتّاب المغرب أثر واضح في ازدهاره في الأندلس.

أنواع المناظرات في العصر الأندلسي

توجه أدباء العصر الأندلسي إلى استخدام فن المناظرة بشكل كبير فيما بينهم وقسمت المناظرة التي جرت بينهم إلى قسمين وهما:

1- المناظرات الخيالية: وهي حوارات غير حقيقية تجري على لسان الجمادات، أو المدن أو الحيوانات وغير ذلك. ومن الأمثلة على هذا النوع من المناظرات ما جرى بين القلم والسيف وهي مناظرة لابن برد الأصغر الذي تميز في هذا النوع من الفنون، وتدور فكرة مناظرته على حوار شيق يحدث بين القلم والسيف.

2- المناظرات الحقيقية: أي أنها غير خيالية تدور بين الأشخاص الذين يتفاخرون بأشياء حسية، مثل المناظرة بين المدن الأندلسية ومدن المغرب، التي دارت على لسان الأديب لسان الدين الخطيب، وتناول فيها المفاخرة والمبهاة بين مدينتي مالقة وسلا، وقد مال الأديب إلى تفضيل مدينة مالقة الأندلسية على مدينة سلا الرومانية.

الأهداف المنشودة من فن المناظرة الأندلسية

تطور فن المناظرات في العصر الأندلسي بشكل كبير، وتميز به نخبه من أدباء العصر الأندلسي، وقاموا بتوظيفه لعدة أهداف في نفوسهم ومن هذه الأهداف ما يلي:

1- المناظرات الدينية: كانت تقوم هذه المناظرة بين أدباء الأندلس المتشددين لدينهم ضد الأديان الأخرى، وكانت مجالس هذا النوع من المناظرات يتسع بشكل كبير في الأندلس، وخصوصًا عند ازدهار الحضارة الإسلامية، ولقد شهدت المجالس التي كانت تقام في القصور الأندلسية أشكالاً متعددة من هذه المناظرات، ودارت بين شعراء وأدباء ذلك العصر مثل ابن الشهيد، والقسطلي، وكذلك ابن العريف والزبيدي.

2- مناظرات الهدف منها التعصب لرأي معين: وهي عبارة عن مساجلةٌ فكرية كانت تدور بين الشعراء وكذلك الأدباء يتحيزون فيها إلى رأي معين ويتعصبون له، وكانت تتميز مجالس هذا النوع من المناظرات بالحضور اللافت للمثقفين سواء أكانوا مؤيدين أو معارضين لهذه الفكرة، مثل المناظرة التي دارت بين ابن حزم الأندلسي وأبي الوليد الباجي.

3- المناظرات العلمية: وكانت هذه المناظرات مبنية على أسس علمية قوية، وتألق في هذا النوع من المناظرات الأديب القرطبي في المناظرة التي دارت بينه وبين ابن النغريلة.

4- المناظرات التي كانت تدور في المجالس من أجل التكسب، فكان هذا النوع يقام في المجالس بهدف كسب المال ويحضره الناس من أجل التسلية والترفيه.

نموذج من مناظرات في العصر الأندلسي

مناظرة السيف والقلم لابن برد الأصغر يقول ابن برد الأصغر في مناظرة السيف والقلم:

“قال السيف: عدنا من ذكر الطبيعة إلى ذكر الشريعة، ومن وصف الخصلة إلى وصف الملة، لا أسر ولكن أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن، إن عاتقاً حمل نجادي لسعيد، وإن عضداً بات وسادي لسديد، وإن فتى اتخذني دليله لمهدي، وإن امرءً صيرني رسيله لمفدي؛ يشق مني الدجى بمصباح، ويقابل كل باب بمفتاح، أفصح والبطل قد خرس، وأبتسم والأجل قد عبس؛ أقضي فلا أنصف، وأمضي فلا أصرف؛ أزري بالوفاء، وأهتك اللأمة هتك الرداء”

فقال القلم:

“نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وقبحاً للتحلي بالجور، وتسود ما بيض الصفاء، وتكدر ما أخلص الإخاء، وتوكد أسباب الفتن، وتضرب بقداح الفتن، الحق أبلج، والباطل لجلج، إن فإنها في قدحها لمأمونة الطائر، محسود الباطن والظاهر، أحكُم فأعدِل، وأشهَد فأقبل؛ وترحل عزماتي شرقاً وغرباً ولا أرحل؛ أعدُ فأفي، وأستكفى فأكفي، أحلب الغنى من ضروعه، واجتني الندى من فروعه، وهل أنا إلا قطب تدور عليه الدور، وجواد شأوه يدرك الأمل، شفيع كل ملك إلى مطالبه، ووسيلته إلى مكاسبه؛ وشاهد نجواه قبل كل شاهد، ووارد معناه قبل كل وارد”.

وفي النهاية نستنتج أن الأدب الأندلسي تطور وأزدهر كثيرًا، وكان لأدب المشرق العربي أثر واضح في هذا التطور، وقد لجأ أدباء الأندلس إلى بعض آداب المشرق العربي مثل فن المناظرة، ولقد برز فيه العديد من أدباء الأندلس بشكل كبير.


شارك المقالة: