خلط ومزج اللغات

اقرأ في هذا المقال


ما هو خلط ومزج اللغات؟

يعرف مفهوم خلط اللغات أو مزج اللغات بالمزج بين لغتان أو أكثر أو المزج بين لهجتان أو أكثر لنفس اللغة أو حتى المزج بين لكنات اللغة الواحدة، فعلى سبيل المثال يقوم المتحدث الإماراتي باستخدام مفردات تخص اللهجة المصرية وهكذا .كما يستخدم البعض من علماء اللغة عامة وعلماء اللغة الاجتماعية خاصة مصطلح خلط اللغات بالإضافة إلى مصطلح التناوب اللغوي؛ وذلك ليدل أحد هذان الظاهرتان على الآخر خاصة فيما يتعلق بعلوم الدراسات النحوية، وغيرها من المناهج والنواحي الشكلية للغة.

بينما يضع البعض الأخر من علماء اللغة تعريفات وتوضيحات تعتبر أكثر دقة لمصطلح خلط اللغات، ولكن من الجدير بالذكر بأن هذه التعريفات والتوضيحات من الممكن أن تختلف وتتباين باختلاف فروع علوم اللغويات أو علوم اللسانيات، ونظريات التعلم ونظريات التواصل وغيرها من النظريات.

كما تتشابه عملية خلط أو مزج اللغات مع عملية استخدام اللغات الهجينة و طريقة إنشائها وتكوينها؛ ولكن من الممكن أن تظهر عملية خلط ومزج اللغات في نطاق وبيئة يتشارك فيها المتحدثون أكثر من لغة واحدة، ولكن فيما يتعلق باللغة الهجينة فأنها تظهر بين مجموعة من الأفراد الذين لا يوجد لغة مشتركة بينهم.

علم اللغة الاجتماعي وخلط اللغات:

يتواجد العديد من علماء اللغة الذين اعطوا ظاهرة خلط ومزج اللغات كل اهتمامهم، كما أنهم يهتمون بشكل كبير في أبنية وتركيبة عملية خلط ومزج اللغات أو شكلها، ولكنهم لا يعطون للفرق بين خلط اللغات والتناوب اللغوي أهمية كبيرة، فيعتبر الفرق بين هاتين الظاهرتين علم تولى دراسته بعض علماء اللغة الاجتماعيين.

فترتبط ظاهرة التناوب اللغوي عندهم بوظائف وآثار معينة ومحددة الاستعمالات اللغوية والتداولات الخطابية أو بالهوية الخاصة بالمجموعة اللغوية. ومن هذا المنطلق، يعتير مصطلح خلط ومزج اللغات أو ما يعرف باستبدال اللغات مصطلح مستخدم لوصف حالات أكثر استقرار وثبات، حيث تستخدم فيها مجموعة من اللغات المتعددة دون مراعاة التأثيرات التي من الممكن أن تظهر على اللغة عند استعمال هذه الظاهرة.

ظاهرتا التناوب اللغوي وخلط اللغات:

يقوم بعض علماء اللغة باستخدام هذان المصطلحان (خلط اللغات والتناوب االلغوي)؛ وذلك لكي يحل أحد هاتان الظاهرتان محل الآخر خاصة في دراسات علم النحو وعلم الصرف وعلم الدلالة وعلم الأصوات والصوتيات وغيرها من مجالات علوم اللغة. وفي العادة يركز هذان المصطلحان على الدراسات النحوية المواءمة بين أطراف الأنظمة المتباينة والمختلفة أو على العناصر التي من الممكن أن تحد من استخدام ظاهرة التناوب اللغوي. وبالرغم من بذل علماء اللغة الكثير من الجهود لدراسة ظاهرة التناوب اللغوي ووصف كلماتها وعباراتها، إلا أن ظاهرة خلط اللغات تعد الكيان الأكبر والأشمل الذي يضم ويحوي العديد من الظواهر اللغوية منها التناوب اللغوي والسلوكيات اللغوية المرتبطة به.

فتشير ظاهرة التناوب اللغوي إلى مجموعة من الحركات التي ينتقل من خلالها المتحدث بين لغات عديدة ومن نظام نحوي ولغوي إلى آخر، فإن ظاهرة خلط اللغات تشير إلى تركيبة وصيغة لغوية هجينة، حيث تعد هذه الصيغة مستنبطة من مجموعة مختلفة من القواعد النحوية والمصرفية. أي أن ظاهرة خلط اللغات تهتم بشكل كبير بمختلف الجوانب الشكلية المختصة بتراكيب اللغة ومدى كفاءة اللغة لغويًا، ولكن يعد التناوب الظاهرة التي تهتم بأداء اللغة لغويًا.

العلاقة بين اكتساب اللغة وخلط اللغات:

عندما قام بعض علماء اللغة بدراسة اكتساب اللغة عند الذين يتحدثون لغتان، تبين معهم بإن ظاهرة خلط اللغات تشير إلى المرحلة الأولية المطورة من قبل الأطفال والذي يخلطون خلالها عناصر متنوعة من مجموعة اللغات التي يتحدثونها. كما يواجه الأطفال الذين يتحدثون أكثر من لغة عادة ما يتشكل لديهم بعض الصعوبات للتميز بوضوح بين اللغات بشكل واضح خلال فترة الانتقال من لغة إلى أخرى. وبالطبع هذه ظاهرة مختلفة عن التناوب اللغوي، فيقصد بهذه الظاهرة الاستخدام المناسب والمتطابق اجتماعيا ونحويًا وصرفيًا للهجات المختلفة والمتعددة وكذلك في مستويات الكلام.

ففي بداية مرحلة الكلام عند الأطفال يقومون بإصدار أصوات أشبه بكلام الهلوسة (كلام غير مفهوم)، وعادة ما يقومون هؤلاء الأطفال الناشئون في أماكن وبيئات ثنائية أو متعددة اللغات بإصدار هذه الهلوسات كتعبيرات تجمع بين هذه اللغات المتواجدة في بيئته المحيطة، وبالطبع هذا خير دليل على عدم قدرة الطفل على التحكم بين هذه الاختلافات اللغوية التي تعكس بيئات اللغة الثنائية أو متعددة اللغات.

ومن ناحية أخرى يرى بعض علماء اللغة بأن هذه الهلوسات تحدث نتيجة لقلة وشح المفردات اللغوية لدى الطفل، وهناك أيضًا حالة أخرى تحدث في هذه البيئات وهي معرفة الطفل لكلمة معينة في لغة وعدم معرفتها باللغة الأخرى، فأبسط مثال على ذلك ما يحدث لدى الأطفال العرب الذين يعيشون في بيئات متعددة اللغات أو من يعيشون في بلد لسانها الأم اللغة الإنجليزية ففي العادة يستخدمون كلمة (Go) ولكنهم لا يملكون أدنى فكرة عن معناها في اللغة العربية. والبعض الآخر من الدراسات تشير إلى أن قدرة الأطفال على خلط اللغات هو دليل على مدى تنمية قدرات الأطفال على استخدام ظاهرة التناوب اللغوي بطريقة تتناسب مع المجتمع الذي يعيشون فيه.

علم اللغة النفسي وعلم النفس وخلط اللغات:

يعد مصطلح خلط اللغات أحد أهم الظواهر المستخدمة في علم النفس وكذلك في علم اللغة النفسي، فهو مستخدم في العادة للإشارة إلى النظريات والدراسات التي تعتمد على دراسة التناوب اللغوي أو التبادل اللغوي؛ وذلك لوصف الأنماط والأسس المعرفية في المجتمعات ثنائية اللغة.

في القرن الماضي وتحديدا في الخمسينات والستينيات من هذا القرن، قام عدد من علماء النفس وبالتعاون مع علماء اللغة النفسية بتحليل شخصيات الأشخاص متعددي اللغات عامة وثنائي اللغة خاصة، فوُصف هذا الشخص بأنه شخصان يتحدثان لغتان مختلفتان ولكنهم في جسد واحد أو في شخص واحد وهذه نظرية قام بها العالم جروسجين.

وفيما يتعلق بنظرية “وجهة النظر الجزئية”، فهي نظرية تعتقد بأن الشخص الذي يتكلم لغتان يتواجد لديه مجموعة من القواعد النحوية والصرفية والتي تكون محفوظة في دماغه ولكن بشكل منظم أي كل لغة تم تخزين أنظمتها بشكل منفرد عن الأخرى، والتي قد تكون أكثر أو أقل تشابه للقواعد والأنظمة النحوية والصرفية المحفوظة في دماغ المتكلمين بلغة واحدة فقط، وأنها تخزن وتستخدم منفصلة كل على حدة.

وبالإضافة إلى ذلك أظهرت مجموعة دراسات أجراها علماء اللغة النفسية وعلماء النفس في السبعينيات من القرن الماضي بأن الأشخاص الذين يتكلمون لغتان مختلفتان عن بعضهم البعض في شتى الأنظمة يكون لديهم القدرة على اكتساب عناصر وتراكيب ومفردات من هاتان اللغتان المختلفتان بشكل منظم. كما أدت هذه النتائج إلى البدء إجراء الدراسات المتعلقة بخلط اللغات من المنظور الخاص في علم النفس وعلم اللغة النفسي.

كما عرف العالم سريدار ظاهرة خلط اللغات بـأنها التنقل من استخدام عناصر لغوية مثل التراكيب والعبارات والكلمات والجمل وغيرها من لغة محددة إلى استخدام لغة أخرى ذات أنظمة وعناصر لغوية مختلفة تمامًا عن الأخرى ولكن يكون ذلك في جملة وتركيبة لغوية واحدة. وبالإضافة إلى ذلك قام سريدار بالتنويه إلى أن ظاهرة خلط ومزج اللغات ظاهرة مختلفة عن ظاهرة التناوب اللغوي، فخلط اللغات تكون ظاهرة موجودة في جملة واحدة وتعرف أيضًا باسم التحول الداخلي في الجملة أو التركيبة اللغوية، وهذا شيء لا يوفر لنا بشكل مثالي استعملات اللغة وعناصرها الكلامية والخطابية التي قام بوضعها مجموعة من علماء النفس بالتعاون مع علماء اللغة النفسية.

كما تشير ظاهرة خلط اللغات المستوحاة من لغتان مختلفتان في ذات الوقت إلى أن هذه كفاءات اللغة لم يتم حفظها أو معالجتها بطريقة منفصلة؛وبسبب ذلك تعد ظاهرة خلط اللغات عند المتكلمين للفنان ظاهرة دُرست بكثرة وبشكل معمق وذلك للمساهمة باستكشاف التركيبة الكامنة الموجودة وراء قدرات الفرد اللغوية.

العناصر اللغوية الممزوجة وخلط اللغات:

إن خلط ومزج اللغات أو العناصر اللغوية المندمجة مزيج مستقر يتكون داخل لغتان أو أكثر. فقد قام بعض علماء اللغة بوصف هذا المزيج والخليط بالتناوب اللغوي وهو خيار مبطن ووصفوه أيضًا بالتناوب اللغوي متكرر الحدوث. وبالإضافة إلى ذلك قام البعض الآخر من علماء اللغة بوصف خلط اللغة على نحو دقيق بأنه من المنطلق النحوي يعرف بالعناصر المندمجة.كما أن استخدام بعض الكلمات من اللغتان مع بعضهم البعض يصبح مع مرور الوقت أمرًا طبيعيًا ولكن ذلك الأمر يكون طبيعيًا بشكل كبير لدرجة الاستخدام اليومي في المناطق التي يشيع ويكثر فيها ظاهرة التناوب اللغوي كالهند.

كما تظهر ظاهرة التناوب اللغوي بشكل كبير على مستوى الكلام والألفاظ ذات المعنى الخفي في علوم الدلالة وفي علم اللغة الاجتماعي، ولكن لا تحمل معها معاني محددة في سياق البيئة المحيطة المحلية. كما تتماثل العناصر المندمجة في اللغة المختلطة، وذلك من حيث علم الدلالة واستعمالاتها اللغوي، ولكن العناصر المندمجة تقل فيها التنوعات اللغوية بشكل ملحوظ فهي خاضعة لمجموعة من القواعد النحوية والصرفية وبشكل كامل، وبمعنى آخر تخضع هذه العناصر المتعددة لمجموعة من القواعد النحويو والصرفية تجعل خيارات الفرد محدودة في استخدام المصادر اللغوية.

ويختلف خلط ومزج اللغات عن ظاهرة اللغة المولدة أو ما يعرف بالكريول. فيظن البعض أن اللغة المولدة هي لغة نشأت وتطورت عن طريق اللغات الهجينة، وبعد ذلك مع مرور الزمن أصبحت أحد اللغات المنفصلة بحد ذاتها، بينما نشأت اللغة الممزوجة نتيجة لظاهرة التناوب اللغوي.


شارك المقالة: