دلالات الألوان في شعر نزار قباني

اقرأ في هذا المقال


يعتبر نزار قباني من أحب رواد الأدب المعاصرين وأقربهم إلى القلوب، وذلك لبساطة أسلوبه ومفرداته كما أنه تناول قضايا مهمة تخص المجتمع، والمُتمعن إلى أدب نزار قباني يرى الكثير من الألوان المستعملة في مقطوعاته، وفي هذا المقال سنوضح دلالات الألوان في أدبه ونذكر الأمثلة عليها والهدف منها.

نبذة عن حياة نزار قباني

ولد في دمشق ودرس الحقوق وكان يشغل مناصب دبلوماسية في بلده لكنه استقال من عمله ليتفرغ لأدبه وبدأ بنظم الكلام عن المعاناة التي حلت بالأجيال بعد الحرب العالمية، ولقد واجه قباني مقاومة عنيفة من قبل المتزمتين ولم يقبلوا خروجه عن الأمور التقليدية المتعارف عليها في الأدب المشرقي شكلاً ومحتوى.

يمتلك أسلوب يميزه عن باقي الأدباء فالمُتلقي يستطيع تمييز مقطوعاته عن باقي القصائد، ويمتلك مشاعر جياشة مكنته من إنتاج أروع المقطوعات وله الكثير من الدواوين التي أغنت الأدب ونذكر منها: “طفولة نهد، قالت لي السمراء، الرسم بالكلمات.”

شعر نزار قباني ودلالات الألوان

الأديب يتأثر في الحياة والمجتمع الذي يعيشه ويستقي أدبه منه، فالذي يترعرع في بيئة بدوية تكون صوره مختلفة ومغايرة تمامًا لمن يعيش في المدينة، والذي تثقف بثقافة دينية فإن تعابيرَه مختلفة عمن نشأ في بيئة علمانية، والبيئة هي كل ما يحيط بالشخص من مجريات ومُلابسات وهي الزمان والمكان واليابسة والسماء وهي الناس وثقافتهم وكل ما يتعلق بهم.

كل هذه الأمور لها تأثير في نفس الأديب وكذلك أدبه وهو أحد هؤلاء الأدباء الذين تأثروا بما حولهم لذا نرى أن هناك عدة عوامل جعلت من أدب نزار صورة تعبيرية متميزة لكل ما يدور حوله، ولهذا نراها تحفل بالرموز اللونية إلى البيت الدمشقي الذي ترعرع فيه.

وعُرف عن هذه البيوت ما تحويه من أناقة وجمال وأُصص الزهور والأشجار التي تتمايل في وسطها وكثرة الألوان التي تضفي على الجو الأسري راحة وتآلف ومحبة ولقد أكد نزار على هذا بقوله: ” قدّم لي البيت الدمشقي الاكتفاء الذاتي هذا البيت القديم أعطاني اللون الأخضر المتفشي في كل شعري، وأعطاني هذا الماء في شعري، شعري مائي فيه لين وبعيد عن الجفاف.”

فالمنزل الذي ترعرع فيه نزار له تأثير كبير على أدبه فيذكر أن في هذا المنزل قد ابتعد عن مخالطة صبيان الحارة وينعزل في بيته ويتفرغ من أجل الأدب، وكان للرسم الذي توجه له في طفولته أثر في بناء صوره ولغته، فقد عاش بتجربته الرسم وقضى فيها سنتين من عمره منغمسًا بقوارير ألوانه ونراه يرسم بالفحم والزيت وحتى الماء رسم بألوانه الزهور والبحار وحتى النساء.

لكن الرسم لم يلبي متطلبات نفسه ولم يتمكن من خلاله التعبير عن مكنون نفسه وكان يشعر أن الألوان لا صوت لها، فتوجه إلى الموسيقى في بداية سن المراهقة معتقدًا أن الموسيقى هي الصوت المسموع الذي يمكنه من التعبير عما يختلج صدره من أحاسيس، ولكنه لم ينجح في ذلك ورغم فشله فيهما فقد لعبتا دوراً في تكوين أدبه ولغته الشعرية.

اللون وأبعاده النفسية في شعر نزار قباني

توجه الشعراء إلى استعمال الألوان وتفاوتت درجات اهتمامهم بها كما اختلفوا في قدراتهم وتمكنهم من توظيفها في مقطوعاتِهم بما يخدم غرضِهم الأدبي ويستطيع من خلالها إيصال الفكرة للمتلقي، وهو أحد هؤلاء الذين أدخلوا الألوان إلى مقطوعاتِهم فكان لها وقع في نفس المتلقي.

استعمل الألوان في مقطوعاته لأنها توضح الدلالات الكامنة في داخلها، ولكل لون قصة تتحدث عن ذاتها، ومثال على ذكره لها ما ورد في قصيدة ” نهداك” حيث يقول:

سمراء.. صبي نهدك الأسمر في دنيا فمي

نهداك نبعا لذةٍ حمراء تشعل لي دمي

متمردان على السماء، على القميص المنعم

صنمان عاجيان… قد ماجا ببحرٍ مضرمٍ

صنمان.. إني أعبد الأصنام رغم تأثمي

واللون الأسود يدل في أبيات نزار على رمز قومي وطني فهو لون الأرض واللون الأحمر يرمز إلى العاطفة والرغبة والانبساط والنشاط والحب الملتهب ونجد نزار قباني يعبر عنه في قوله:

فـُكّي الغلالة َ.. واحسرتي عن نهدك المتضرّم

لا تكتبي النارَ الحبيسة وارتعاشَ الأعظـُم

نارُ الهوى في حَلمتيْكِ أكولة ٌ كجهنّم

خمريّتان.. احمرّتا بلظى الدم المتهجم..

محروقتان ِ بشهوةٍ تبكي وصبر ٍ ملجم

اللون الخمري له معنى نفسي مغاير إذ يرمز للغضب والثورة والتمرد، والأبيض يرمز عنده لطهارة والصدق وذكره كثيرًا في قصائده ومنها:

إذا كان الوطن منفياً مثلي..

ويفكر بشراشف أمه البيضاء مثلي

وقطة البيت السوداء، مثلي

إذا كان الوطن ممنوعاً من ارتكاب الكتابة مثلي

كذلك يدل الأبيض عند نزار على الرحمة والأمان ومثال عليه:

أنت لي رحمةٌ من الله بيضاء

أحس السلام في أعتابك

أنت كوخ الاحلام آوي إليه

أشرب الصمت في حمى أعشابك

واستعمل الأخضر حيث كان يوحي بالحياة والنمو والشباب فهو رمز البيئة الخصبة، ويضفي على الحياة رونق ومثال عليه:

حبك طيرٌ أخضر ..

طيرٌ غريبٌ أخضر ..

يكبر يا حبيبتي كما الطيور تكبر

ينقر من أصابعي

و من جفوني ينقر

كيف أتى ؟

أما الرمادي فكان يدل على الغموض والمصير المجهول فهو يرى أنه خالٍ من أي إثارة وهو محايد.

حين عيناك تزيدان اتساعاً وسوادا ..

ما الذي من لغة الشاعر يبقى ؟

عندما يستعمل اللون الرمادي مدادا .

ما الذي من عنفوان الشعر يبقى .. عندما

يصبح الكرسي في المقهى .. بلادا ؟

يصبح الكرسي في المقهى .. بلادا ؟

يصبح الكرسي في المقهى .. بلادا ؟

وفي النهاية نستنتج إن نزار قباني من الشعراء المعاصرين الذي احتل أدبه مكانة مرموقة وكان له أثر ووقع في نفس المتلقي، ونراه من خلال مقطوعاته متقلب المزاج والمشاعر وقد عمد إلى توظيف الألوان في أدبه ولها دلالات نفسية عبرت عن مكنون نفسه.

شارك المقالة: