يعتبر المكان من المكونات المهمة في المقطوعات الأدبية لما يتضمنه من أبعاد جمالية تساعد في بلورة الأحداث ويحمل دلالات توضح الفكرة والمعنى.
الأبعاد الاجتماعية والنفسية للمكان في الشعر الجاهلي
1- البعد الاجتماعي: يمثل الروابط التي توحد الناس وطبائعهم وطريقة معيشتهم حيث تمكن الشعراء من توظيف المكان اجتماعيًا ليصف طبيعة الحالة الاجتماعية المنتشرة، مثال على هذا الشنفرى الذي قطع علاقته بقومه والمكان الذي نشأ فيه حيث يقول:
أقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لأمْيَلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
وفي موضع آخر نجد شعراء يبكون بحرقةٍ ويتحسَّرون على المكان والمجتَمع الذي نشأ وترعرع فيه ومثال عليهم عبيد بن الأبرص الذي بكى على ديار قومه التي أبادها الغسانيون:
لِمَن طَلَلٌ لَم يَعفُ مِنهُ المَذانِبُ
فَجَنبا حِبِرٍّ قَد تَعَفّى فَواهِبُ
دِيارُ بَني سَعدِ بنِ ثَعلَبَةَ الأولى
أَذاعَ بِهِم دَهرٌ عَلى الناسِ رائِبُ
2- البعد النفسي: يتضمن المكان أبعاد نفسية لها وقع في ذات الناس لما يحتويه هذا العنصر من عواطف ومشاعر، فهو ملجأ الشاعر وملاذه للحرية وموطن ذكرياته التي يتذكرها كلما رجع إلى هذا المكان ومن الشعراء الذين وظفوا المكان في مقطوعاتِهم امرؤ القيس حيث نظم:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
أهمية المكان في الشعر الجاهلي
1- من غير الممكن حدوث فعل معين في حياة الناس دون الارتباط بالمكان لأنه همزة الوصل التي تدمج البشر بالأحداث.
2- يُعد المكان هو المشعل لعواطفِ البشر وجالب للذكريات بمجرد النزول به.
3- يمكن أن يدل المكان على شخصية معينة عندما يذكر مكان ما تحضر في الأذهان مباشر شخصية معينة تركت أثر في هذا المكان.
4- توجد علاقة قوية بين البشر والمكان تكمن بالتأثر حيث يستطيع المكان من إظهار الوضع النفسي للأديب.