قال تعالى : ﴿ ذَرۡنِی وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِیدࣰا (١١) وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالࣰا مَّمۡدُودࣰا (١٢) وَبَنِینَ شُهُودࣰا (١٣)﴾ [المدثر ٨-١٢] صدق الله العظيم
التفسير:
الخطاب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومعناه: خلَّ بيني وبين الذي خلقته وحيداً، مُجرداً من كل شيء آخر، ممّا يعتز به من مال كثير ممدود، وبنين حاضرين شهود.
قال صاحب كتاب فتح البيان: أي دعني واتركني وهي كلمة تهديد ووعيد، والمعنى دعني والذي خلقته حال كونه وحيداً في بطن أمّه لا مال ولا ولد، وقال المفسرون وهو الوليد بن المغيرة وبه قال ابن عباس.
وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المُزلزل، وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها.. قوة الجبار.. لتسحق هذا المخلوق الضعيف المسكين، الضئيل! وهي الرعشة التي يُطلقها النص القرآني في قلب القاريء والسّامع، فما بالُ الذي تتجه إليه الكلمات.
سبب النزول:
عن ابن عباس قال ” إنّ الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنّه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه فإنّك أتيت محمداً لتعرض لما قبله، قال قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالاً، قال فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له وأنّك كاره له، قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاًً من هذا، ووالله إنّ لقوله الذي يقول لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنّه ليعلو وما يعلى، وإنّه ليحطم ما تحته، قال والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال فدعني حتى أفكر فلمّا فكر قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت (ذرني ومن خلقت وحيداً)
ويُطيل النص في وصف هذا المخلوق، وما آتاه الله من نعمه وآلائه، قبل أن يذكر إعراضه وعناده، فهو قد خلقه وحيداً.
﴿وبنين شهودا﴾ قال الإمام الرازي: الأول: بنين حضورا معه بمكة لا يفارقونه البتة؛ لأنّهم كانوا أغنياء، فما كانوا محتاجين إلى مفارقته لطلب كسب ومعيشة، وكان هو مستأنساً بهم طيب القلب بسبب حضورهم والثاني: يجوز أن يكون المراد من كونهم شهوداً أنَّهم رجال يشهدون معه المجامع والمحافل.