كلّ الشعوب التي تعاقبت الحياة على وجه المعمورة، قد امتلكت الموروث الثقافيّ الذي يخصه، وكما إنه يجعلها يتفرّد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “ربّ ضارّة نافعة”.
فيم يُضرب مثل “رب ضارة نافعة”؟
ربّما يحزن المرء لأمر قد كتبه الله عليه، أو شيء حرمه منه، فحكمة الله غلبت كلّ شيء، ورب ضارّة تنفع الإنسان أو نفع لا ينتفع به، فالله- عزّ وجلّ مسير الأمور بالخير والشرّ، وهذا الكلام مختزل في جملة أطلقها العامة في قولهم، وهي: “ربّ ضارّة نافعة”.
قصة مثل “رُب ضارة نافعة”:
فيما يُروى عن حكاية مثل: “ربّ ضارّة نافعة” أنّه في يوم من الأيّام قد أبحرت سفينة، وعلى متنها الكثير من البضائع والمسافرين، وما أن قطعت السفينة مسافة ليست بالقليلة، حتّى هبّت ريح وعاصفة غاية في الشّدّة، فقلبتها رأسًا على عقب، غير أنّه نجا من الركاب رجلٌ، أخذت تتلاعب به، وتسيّره كيف تشاء، حتى ألقت به على جزيرة مجهولة ومهجورة لا يوجد بها أحد، وما كاد الرجل يستفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه؛ حتى جثا على ركبتيه طالبًا من الله عزّ وجلّ العون والمساعدة، وسأله أن ينقذه من الخطر المحدّق به، مرّت عدة أيام والرّجل يقتات من ثمار الشّجر وصيد الأرانب البريّة، ويروي ظمأه من مياه الجداول القريبة، واستقرّ به الحال، حتّى أنه بنى كوخًا صغيرًا من أعواد الشجر ليحتمي به في من برد الليل القارص.
في يوم من الأيام قام الرّجل بوضع طعامه على النّار؛ لينضج، ثمّ إنّه ذهب يطوف في المكان، غير أنّه لمّا رجع فوجئ بأن النّار قد أتت على الأخضر واليابس، والتهمت ما حولها حتى الكوخ الذي كان يرقد به احترق، فأخذ الرجل يندب حظه العاثر ويبكي على ما آل إليه حاله، وأخذ يردّد قوله: كلّ شيء احترق، لم يعد لي في هذه الدنيا شيء، لماذا يحدث معي كلّ هذا، ونام على حزنه وهو جائع، وفي الصباح كانت هناك مفاجأة كبيرة في انتظاره، حيث وجد سفينة تقترب من الجزيرة التي يمكث بها، وتنزل قاربًا من قوارب النجاة لإنقاذه، ففرح الرجل كثيرًا وحمد الله على النجاة.
لما اعتلى الرّجل سطح السفينة، سألهم كيف وجدوه؟ فقالوا: لقد شاهدنا دخانًا كثيفًا منبعث من الجزيرة، فعرفنا أن هناك شخصًا على قيد الحياة يطلب الإنقاذ، فتعجّب الرجل من رحمة الله به، وكيف أنه كان ناقمًا على ما جرى له، وظنّه بأنّ ما حدث كان شرًّا، ولكنّه ما كان إلا خيرًا ، لذا إذا ساءت ظروفك فلا تخف، فقط ثق بأنّ الله له حكمة في كل ما يحدث من أمور، وأحسن الظّنّ بالله.