رب كلمة تقول لصاحبها دعني

اقرأ في هذا المقال


كلّ الأمم التي رسمت خطاها على وجه الأرض تمتلك موروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.

تُعدّ الأمثال إحدى وسائل الوصف والحكمة، والتدليل على الرأي و وجهة النظر والفلسفة في الناس والعادات والتقاليد والقيم والسلوك والصفات والسمات للآخرين، فهي أبقى من الشعر وأرق من الخطابة ولم يسر أيّ شيء سيرها، والأمثال مرآة الشعوب، وعصارة تقاليدها و رؤيتها في الحياة، فوراء كل مثل على الأغلب قصة، وهناك مثل يقول “رُبَّ كلمة تقول لصاحبها دعني”.

فيم يضرب مثل: “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”؟

مثل “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”، من الأمثال العربية السائرة المشهورة، ويُضرب هذا المثل لمن يتفوه بالكلمة دون أن يلقي لها بالًا، وكما يُضرب المثل في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار “أي الإعراض”، فالمرء حين يتحدث بالكلمة، دون أن يفكر في معناها وعاقبتها، ولا يضعها في مكانها المناسب، فبالتأكيد لن يجني إلا الويلات والهمّ، والكلام المقصود في هذا المثل هو الكلام الذي لا فائدة منه، كالغيبة والنميمة والجدال الذي لا يُرجى منه خير.

أصل وقصة مثل: “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”:

أصل مثل “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”، أن واحدًا من ملوك حمير خرج متصيدًا، حيث كان معه نديم يقربه و يكرمه، ثم جلس على صخرة ناعمة متأملاً، فقال له النديم: لو أن إنسانًا ذُبح على هذه الصخرة إلى أين كان سيصل دمه؟ فقال الملك: اذبحوه عليها ليرى دمه أين يصل، فذُبح عليها، فقال الملك: “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”، والتي راحت مثلًا إلى يومنا هذا.

العبرة من مثل: “ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”:

لعل براعة العرب في سرد الكثير من الأمثال ما هو إلا نتاج خبرة عميقة في الحياة وحصاد فكر عميق طويل ودليل ذكاء وفطنة، ولعل من أهم العبر التي يستقيها المرء من مثل: ” ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني”، أن على العاقل أن ينتقي ألفاظه ويحرص عليها، وهذا المثل يُضرب في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار، لذا وجب على الإنسان أن يجعل للكلمة قبل أن تخرج حدودًا، وأن تُعرض الكلمة قبل خروجها على العقل، فإن سُمح لها بالمرور فلتخرج، وإن لم يُسمح لها فلترجع من حيث أتت، فرُبّ كلمة تخرج تكون وبالًا على صاحبها، والكلمة قبل أن ينطق بها المرء يملكها، وإذا خرجت منه ملكته.


شارك المقالة: