تُعتبر المؤلفة والشاعرة باربرا كينجسولفر وهي من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية من أهم وأبرز الروائيات اللواتي ظهرن في القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أنها كانت قد تميزت في علم الأحياء وحصلت به على العديد من الشهادات في هذا المجال، إلا أنها تميزت وأبدعت كذلك في مجال الأدب في كتابة وتأليف الروايات والقصص القصيرة، ومن أبرز الروايات التي اشتهرت بها هي رواية أحلام متوحشة والتي تم تجسيدها في العديد من الأفلام السينمائية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية في مضمونها الحديث عن قصة إحدى السيدات تدعى كوزيما والتي كانت في أحد الأيام قد شاء القدر ورجعت إلى القرية التي بها مسقط رأسها وتعرف باسم قرية جريس في مدينة أريزونا؛ وقد كان السبب في عودتها هو تقديم المساعدة إلى والدها والذي كان في ذلك الوقت رجل كبير في السن، حيث أنه كان يعيش في حالة صراع مع مرض الزهايمر، إذ كان يحاول التغلب عليه بشكل تدريجي، وفي تلك الأثناء كانت الفتاة تعمل كمعلمة في علم الأحياء في إحدى المدارس الثانوية المحلية، وتسكن مع إحدى صديقاتها القديمات وتدعى ايميلينا من ذات المدرسة.
كانت الرواية تتميز بأسلوب مبدع وخاص من المؤلفة ألا وهو كيفية التنقل في الحديث عن وجهات النظر في المختلفة والمتنوعة، حيث أن الرواية في جميع فصولها كانت تتم روايتها من وجهة نظر كوزيما وكذلك من وجهة نظر أبيها والذي يدعى السيد هومر، كما قامت المؤلفة بالتطرق في الرواية إلى الحديث عن الأشخاص الذين تم قتلهم على يد جماعات اليمين المتطرف وهم ما يعرفون باسم الكونترا المدعومة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت بدورها المناهضة للحكومة في نيكاراجوا .
كما تناولت الرواية الحديث عن أمور خاصة بالناس الذين يقيمون في أمريكا منذ زمن قديم، والتي كانت تعود أصولهم إلى دولة إسبانيا، كما انتقلت الرواية للحديث عن حياة أخت كوزيما والتي كانت قد انتقلت إلى مدينة نيكاراجوا؛ وذلك من أجل تقديم المساعدة في تعليم سكان تلك المدينة المحليين أهم وأكثر الطرق استدامة في مجال الزراعة، وهناك تلقى حتفها على أثر قيام جماعة الكونترا بحجزها.
كما كان من أهم المحاور التي دار حولها الحديث في الرواية هي المحاور السياسية في الرواية، إذ كان هناك صراع في البلدة الصغيرة ضد شركة الجبل الأسود للاستثمار في المناجم، والتي كانت السبب الرئيسي في تلويث مياه النهر الموجود في القرية، كما كانت في سبيلها إلى تدمير مصدر الرزق الرئيسي الخاص بالبلدة وهو بساتين الفاكهة، كما كانت الرواية تقديم العديد من التصورات للمناظر الطبيعية ودراسات حول العالم، كما طغى على الرواية بعض المواقف اللطيفة والفكاهية.
رواية أحلام متوحشة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول حديث يصدر عن شخص يدعى السيد هومر وهو أب لابنتان، حيث يذكر في حديثه ذكريات الماضي التي كان يعيشها مع ابنتاه وهن كوزيما وهولي بينما كانت زوجته متوفية، إذ يسرد تلك الذكريات بصيغة الغائب، كما يقوم بالدمج بينها وبين أحداث الحاضر بصورة بليغة ومحكمة، وكل الحديث عن الماضي يكون في الفصل الأول.
بينما في الفصل الثاني من الرواية قامت المؤلفة في الانتقال إلى الحديث والسرد في القصة بصيغة المتكلم، وقد كان ذلك من وجهة نظر كودي، ومن هنا كانت تبدأ ذروة القصة، حيث تغادر شقيقتها هولي إلى مدينة نيكاراجوا، حيث أنها في تلك المدينة قد عاشت في ذات البيت مع إحدى صديقاتها والتي تدعى كارلو، وبعد وصولها إلى تلك المدينة بفترة قصيرة تقرر أن تقوم بتقديم المساعدة إلى النظام الشيوعي فيها، وذلك من خلال تقديم خبراتها في مجال الزراعة، حيث كان ذلك الوقت العهد الذهبي لزراعة المحاصيل.
وفي ذلك الوقت تعزم كوزيما على مغادرة المدينة من أجل العودة إلى بلدتها الريفية الصغيرة، وذلك من أجل أن تقديم الاهتمام والرعاية لأبيها المريض، حيث أنه أصيب بأحد أنواع المرض الذي يعرف باسم مرض الزهايمر، كما أنها أرادت في تلك الأثناء أن تقوم بتدريس مادة الأحياء للمرحلة الثانوية في المدرسة التي كانت تتلقى تعليمها بها في السابق، كان الرجوع إلى تلك القرية من وجهة نظر كودي هو من الأمور الصعبة عليها جداً؛ وذلك لأنها كانت على الدوام تشعر بأنها دخيلة على تلك القرية.
إذ أنها كانت قد ابتعدت عنها لفترة طويلة جداً، وكانت قد انقطعت جميع علاقاتها في تلك القرية، حتى علاقتها بوالدها كانت مقطوعة تماماً، كما كانت رحلة رجوعها تثير في داخلها العديد من الأسرار، كما كانت تدور حول كوزيما ذكريات الماضي الذي عاشته مع أسرتها على سبيل المثال كانت تتذكر الفترة التي أخفقت بها الحصول على الرخصة الطبية، بالرغم من أنها كانت ملتحقة في كلية الطب، كما كان يتراوح إلى ذهنها اللحظة التي فقدت بها والدتها ولحظة وفاة طفلها، كما كانت تفكر في طبيعة العلاقة التي تربط أسرتها مع بقية المجتمع من حولها.
وفي ذلك الوقت بينما كانت كوزيما قد وصلت إلى قريتها سرعان ما توجهت إلى منزل صديقتها القديمة والتي تدعى إيميلينا، وأقامت عندها في غرفة الضيوف، وفي أحد الأيام وبينما كانت كل من إيميلينا وكوزيما يتبادلان الحديث تكشف كوزيما عن علاقة كانت قد جمعتها بشاب يدعى لويد، وقد كانت تلك العلاقة قد أقيمت في المدرسة الثانوية التي كانت تدرس فيها، وقد كان لويد هو الصديق المقرب لزوج ايميليا، وكان في ذلك الوقت ما زال يقيم ويعمل في تلك البلدة.
وبعد رجوع كوزيما إلى القرية من جديد يسيطر عليها الشعور بأنها غريبة مرة ثانية، كانت والدة كوزيما قد ماتت بعد مولد ابنتها الثانية هولي بفترة قصيرة، كما سيطر على كوزيما التفكير في كيف أنها تعرضت للإجهاض وهي في سن صغير وأسقطت طفل دون علم أي شخص بذلك، كان في ذلك الوقت أبيها والطبيب المقيم في البلدة على علم ودراية بهذا الموقف الذي حصل معها، لكن كوزيما لم تكن تعلم بأنهم على دراية بذلك الأمر.
وفي أحد الأيام يلتقي كل من لويد وكوزيما، ومن هنا تبدأ بينهم العلاقة من جديد، كان لويد من الأشخاص الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان قد نشأ وترعرع في أحد المحميات المجاورة لمنزل كوزيما، وفي تلك اللحظة أشار لويد أنه على استعداد تام لبناء علاقة جدية ويلتزم بها، بينما كودي لم تكن على استعداد بأن تخوض في تلك العلاقة والالتزام بها، إذ أنها لم تقوى على تقبل فكرة الإقامة الدائمة والأبدية في تلك القرية وأن ترتبط بشخص منها، وهنا احترم لويد رأيها ووجهة نظرها، ومن هنا يواصل كل منهما لقاء الآخر كما يخبر لويد كوزيما عن أشياء كثيرة تتعلق بالثقافات السائدة والتي يتسمون بها سكان أمريكيا الأصليين.