رواية أنا الأعلى - I The Supreme Novel

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب أوغوسطو روا باستوس وهو من مواليد دولة البارغواي الواقعة في أمريكا الجنوبية من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، وقد صدرت عن الكاتب العديد من المؤلفات والأعمال الأدبية ومن ضمنها رواية أنا الأعلى التي ترجمت الواقع الذي كان يعيشه في المنفى في دولة الأرجنتين، تم العمل على إصدار الرواية في عام 1974م، وأول ما صدرت الرواية كانت في اللغة الإسبانية ثم بعد ذلك تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات العالمية، وقد صنف الأدباء الرواية أنها من أروع الأعمال الأدبية.

نبذة عن الرواية

تم العمل على كتابة الرواية حينما كان الكاتب لا يزال يعيش في المنفى في دولة الأرجنتين، حيث اعتبرت الرواية واحدة من أروع الأعمال الأدبية التي ظهرت في اللغة الاسبانية، كما امتازت وعلى وجه الخصوص بالبناء الأدبي المحكم للغاية، والأسلوب المتقن الذي استخدمه الكاتب فيها من ناحية الصرف والنحو، وإضافة على ذلك فقد كانت تحتوي الرواية على كم هائل من العناصر التاريخية والتخيّلات التي عمل المؤلف على دمجها سوياً في سرد سياق ممتع للقارئ، كما كانت الأحداث والأزمنة في الرواية تتداخل بصورة بارعة، حيث أن فصول الرواية كانت تتوالى بصوت بطل واحد، بينما تبدو باقي الأحداث والوقائع فيها مجرد رؤى تاريخية أو وجهات نظر الكاتب ذاته، فحين كان يتحدث في الرواية يعبر عن ذاته في وجهة نظر الإنسان الديكتاتوري.

وعلى أثر إصدار تلك الرواية فقد حاز المؤلف على إحدى الجوائز المهمة وهي جائزة سرفانتس في الأعمال الأدبية، وقد كانت تلك الجائزة من الجوائز المرموقة في دولة إسبانيا، وكما اعتبرت الرواية من بين أهم وأفضل مئة عمل، كما كانت الأكثر قيمة في الأدب العالمي ومن أهم الاعمال التي لاقت صدى واسع في أمريكا اللاتينية، وقام بترجمتها المترجم المحترف المعروف باسم طارق عبد الحميد في دولة الباراغواي عام 2018م بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لولادة الفيلسوف روا باستوس، وذلك من خلال مشروع مبادرة من السفارة اللبنانية في مدينة أسنسيون، وتبنى هذا الأمر مركز الجمهورية الثقافي التابع للكونغرس في الباراغواي.

رواية أنا الأعلى

كان البطل في الرواية هو شخص يعمل في مهنة المحاماة، وقد كان إنسان لامع ومعروف بين الناس، كما كان شخص ثائر وديكتاتور لدى جمهورية الباراغواي، وهو ما يعرف باسم خوسيه غاسبار رودريغز دي فرانسيا، حيث أنه كان يحكم المنطقة في البداية في ظل الحكم الثلاثي والذي كان يسود في سنة 1811م، ثم بعد ذلك ساد في المنطقة نظام القنصلية والذي ابتدأ من سنة 1813م، وفي تلك الفترة كان يحتل منصب حاكم مطلق أوحد، وقد استمرت فترة حكمه منذ سنة 1816م إلى أن توفى سنة 1940م.

إذ أراد الكاتب من خلال الرواية أن يعكس الجوانب التي كانت تمتاز بالسلبية أثناء ولاية الديكتاتور فرانسيا، حيث كانت تتداخل فيها قيم العدالة والظلم، كما كان يتم تسليط الضوء على أوجه الضعف والقوة لدى الحاكم، إذ أن كل شخص يقوم بقراءة الرواية يتوصل إلى أن هناك استعراض بشكل واضح لتاريخ الحياة السياسية للديكتاتور الأعلى، إذ أنه على مر ستة وعشرين سنة من فترة حكمه للمنطقة، كان قد ساد وتبلور عالم من العنصرية والظلم والاستغلال والموت والشقاء والاضطهاد التي كان يمارسها على الشعب، إلى أن تخبطت المشاعر والآراء الشعبية من حوله، إلى أن وصلت إلى انقسام ما بين الرغبة المفرطة للبعض في التمرد بينما القسم الآخر اختار الصبر على الابتلاءات التي سببها هذا الحاكم.

من أهم الامتيازات التي وصفت بها تلك الرواية هو أن هذا العمل كان له رؤية أكثر واقعية من ما قد اعتاد عليه القارئ في الأعمال الأدبية الأخرى التي كانت تُعنى بالديكتاتورية في دول أمريكا اللاتينية، حيث أنّ الكاتب قام بوصف شخصية فرانسيا دون أن يتطرق إلى أي تشويه ولا شيطنة، حيث أن كل ما وثقه في الرواية كان مبني على بيانات وحقائق موثقة في أوراق رسمية، فقد كان هناك هجوم بشكل واضح على الاستبداد والتسلط الذي كان يمارسه الحاكم على شعبه، كما كان يعمل على إدانة لا لبس فيها من خلال القمع الذي كان يقوم بتطبيقه على أهل البلد.

فليس الكاتب هو الوحيد الذي كان ينظر إلى هذا الجانب السيء ويراه بوضوح، وإنما كان جميع أفراد الشعب يرون ذلك الأسلوب الدنيء من الظلم والاضطهاد بشكل واضح يطبق عليهم، وقد كانت هناك انتقادات صريحة للتجاوزات التي يقوم بها الحاكم في عمله، فقد اعتمد المؤلف في سرد الأحداث لتاريخ الديكتاتور فرانسيا من وجهة نظر مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين وقعوا كضحايا لنظامه الاستبدادي، كما أنها كانت مدعومة بملاحظات من الديكتاتور نفسه والتي كان يكتبها في مفكرته الخاصة ويدونها بنفسه.

وقد كان ذلك الأمر قد ظهر جلياً عبر صفحات الرواية والتي برز فيها العالم المتخيل الذي كان يعيش فيه غاسبار رودريغيز دي فرانسيا، فعند تسلمه للسلطة حجب عن عالم الناس البسطاء في الجمهورية، حيث اختفت الحريات بشكل كامل وتم تطبيق الحصار على أهلها بشكل كاتم للنفس وقامع للحرية.

في بداية الأحداث والوقائع تم العثور على منشور تم تعليقه على باب الكاتدرائية، وفيه مقولة على لسان الديكتاتور نفسه إشارة إلى الشعب بتعليق رأسه بعد وفاته على رأس رمح في الساحة العامة، كما تم الدعوة من أجل قتل جميع معاونيه، وتدور كامل فصول الرواية حول نقطة التي كان يسعى فيها الديكتاتور الغاضب للقبض على جميع المذنبين، إذ يحاول تحليل الكلمات الموجودة على الملصق والأسلوب الذي تمت الكتابة به ومعرفة من هو كاتبه، إذ كان مستعرض لجميع الاحداث والشخصيات التي كانت تحيط به من جميع الجوانب.

حيث كان في تلك اللحظة يستذكر وقائع تاريخية، حيث كان ذلك الحاكم الديكتاتوري يملي على كاتبه حيناً من أجل التدوين في مذكراته، وأحياناً أخرى يقوم بالتدوين في المفكرة الخاصة، كما كان في كثير من الأحيان يقوم بالرجوع إلى العديد من الوثائق التاريخية ويقوم بالتسجيل فيها مقاربات أسطورية، ويتشعب الكاتب كثيراً في فصول الرواية، حيث أنها كانوا تبدو لجميع الخبراء والكُتاب أنها تشبه المتاهة المحكمة والمتقنة بشكل بديع وفني، إذ تم التخطيط بين سطورها بأسلوب بليغ ومفعم بالمعاني العظيمة، على الرغم من أنها كانت كتبت بلغة ليست بالسهلة أبداً أن يقوم أي كاتب على إيجاد هذا التنسيق البليغ فيها، حتى ذابت فيها رؤى الكاتب والتخيلات التي كانت تدور في مخيلة الديكتاتور.


شارك المقالة: