تُعتبر المؤلفة والأديبة فرجينيا وولف وهي من مواليد مملكة بريطانيا العظمى من أهم وأبرز الكاتبات اللواتي ظهرن في القرن الثامن والتاسع عشر، ولقد لقبت أنها من أيقونات الأدب، ومن أكثر الروايات التي حققت نسبة مبيعات عالية وشهرة واسعة حول العالم هي إلى المنارة، وقد تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية كما تُرجمت إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية، وقد تم العمل على إصدارها سنة 1927م.
نبذة عن الرواية
اعتمدت الكاتبة من خلال سرد أحداث الرواية على استخدام ذات النطاق الذي استخدمه الروائيين الحديثين، حيث أنها امتازت بسرد حبكة الرواية من خلال التأمل الفلسفي، كما أنها كانت خالية تماماً من أسلوب الحوار بين سطورها ووقائعها؛ فقد كانت في غالبيتها مجموعة من الأفكار والملاحظات، تشير الرواية إلى المشاعر والأحاسيس التي تعتري الأطفال وتترسخ بداخلهم ومدى تأثيرها عليهم، كما تم تسلط الضوء على العلاقات الاجتماعية التي تدور بين الكبار، من أهم المواضيع كذلك التي طرحت في الرواية هو عدم معرفة وإدراك قيمة الشخص المقابل إلا بعد فقدانه.
رواية إلى المنارة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول إحدى العائلات التي تقرر الذهاب لزيارة إحدى الجزر المعروفة باسم جزيرة سكاي، وتلك العائلة والتي تدعى عائلة رامزي تقيم في ذلك الوقت في بيت صيفي تمتلكه تلك العائلة في منطقة هبرديس، كانت تلك الرواية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، والجزء الأول يبدأ في تلك اللحظة التي كانت تتحدث بها السيدة رامزي إلى ابنها الذي يدعى جيمس في أنهم ينبغي عليهم أن يقوموا بزيارة إلى منطقة المنارة في الغد.
ولكن في صباح اليوم التالي يرفض السيد رامزي الموافقة على تلك الرحلة، وقد برر ذلك أنه متأكد من أن الحالة الجوية في هذا اليوم لن تكون صافية ومناسبة للرحلات، والقرار الذي صدر عن السيد بخصوص الرحلة نتج عنه الكثير من التوترات بين السيد والسيدة وكذلك بين السيد وابنه، فقد رأوا أن يفرض عليهم أوامره، وهذا التصرف من فرض الأمر كان من الأمور التي كثيراً من تشوش العلاقة بين العائلة الواحدة، ولم يتوقف الأمر على الرحلة فقط، فقط كان في كل مرة تكون هناك مناسبة يقوم السيد برفض أوامره وسيطرته على عائلته والتضييق عليهم.
وفي أحد الأيام قدم إلى منزل عائلة السيد مجموعة من الضيوف، وعلى الرغم من أن السيد والسيدة يمتلكون ثمانية من الأطفال، إلا أن المنزل كان كبير جداً ويتسع عدد من الأشخاص، وهؤلاء الضيوف منهم ما هو زميل للسيد في العمل ومنهم ما هو من الأصدقاء المقربين، ومن بين أحد أولئك الأصدقاء كانت هناك سيدة تدعى ليلي، وقد كانت ليلي فتاة ما زالت في مقتبل العمر تمتلك هواية الرسم حتى أنها فكرت في أحد الأيام أن تقوم برسم الفتى جيمس ووالدته.
لكنه في ذات الوقت كانت شخصية غامضة كما كانت شخصية شكوكية، ففي أي موقف تواجهه تشك بأن هناك أمر خفي وراءه، وما كان الداعم الأساسي والذي يثير الشكوك أكثر بداخلها هو ضيف آخر متواجد معهم يدعى تشارلز، حيث كان كلما يشاهد ليلي تقوم برسم لوحة فنية يقول أنه لا يمكن للمرأة ترسم ولا حتى أن تتطرف إلى التأليف والكتابة، كما أنه كان على الدوام يثني على أسلوب السيد في إدارة عائلته والسيطرة عليهم، ويبدي أعجابه به بأنه رجل صارم كما كان يبدي إعجابه بالأبحاث الفلسفية التي يقوم بها السيد وأطروحاته الأكاديمية، وقد انتهى الجزء الأول من الرواية حول حفل عشاء أقامه السيد لجميع الزملاء والأصدقاء في البيت، ولكن حينما قام أحدهم بطلب سكب الحساء مرة أخرى، هنا ثار السيد في وجهه.
وفي الجزء الثاني من الرواية والذي يركز في الكاتب على مرور الأحداث بشكل سريع، ويحدث حالات كثيرة من الغياب والموت، حيث أنه بعد مرور ما يقارب على العشرة سنوات، وقد كانت قد قامت بها الحرب العالمية الأولى، وفي أواخر تلك الحرب توفيت السيدة، وكذلك مجموعة من أطفالها كل واحد منهم توفي بسبب مختلف، وفي في تلك الأثناء يدخل السيد في حالة من اليأس والاكتئاب، إذ يشعر بأنه إنسان مُهمل، إذ لم يكن يهتم لحالها ولا إلى اهتمامها به وبعائلتها، فقد كان على الدوام شخصية صارمة وقاسية معها، ومن هنا بدأ يمر بنوبات من الهلع والخوف، ويحاول أن يتخلص من تلك الحالة باستغراق مدة الطويلة في عمله وأبحاثه الفلسفية، وقد كان من يقوم بسرد أحداث هذا الفصل مدبرة المنزل التي كانت تعمل في منزل العائلة، حيث أنها قدمت نظرة واضحة إلى كيفية تغيير الأحداث مع الوقت.
في الجزء الثالث والأخير من الرواية، يرجع من تبقى من أفراد العائلة ويرجع معهم بعض الضيوف إلى البيت الصيفي مرة أخرى، ولكن في هذه المرة كان قد مضى وقت طويل وتغيرت أمور كثيرة، وأول تغيير كان قد حدث هو شخصية السيد، حيث أنه بعد أن كان شخصية صارمة وقاسية أصبح شخص عطوف ولطيف مع الجميع، وحين وصلوا إلى البيت خطط السيد للذهاب في رحلة كانت قد أُجلت منذ عشرة سنوات إلى المنارة مع ابنته التي تدعى كام وابنه جيمس، وقد كان هؤلاء فقط من تبقى له من عائلته.
وفي ذلك الوقت رفض الأطفال الذهاب في الرحلة؛ إذ شعروا أنهم غير مستعدين لها، لكنهم يذهبون بها في النهاية، وفي أثناء الرحلة يلتزمون الأبناء الصمت؛ وذلك بسبب إجبارهم على القدوم إلى الرحلة، وفي ذلك الوقت أبقى جيمس القارب الشراعي ثابت، ولكن ما اندهش به هو أنه بدلًا من تلقي الكلمات الصارمة والقاسية والمعتاد سماعها من أبيه، فقد سمع المديح وهنا عاش جيمس لحظة نادرة من العطف والحنان بين الأب وابنه، كما تتغير نظرة الفتاة لأبيها كذلك بعد رؤيته لها أنه أصبح إنسان حنون وعطوف، وقد أبدت إعجابها بحالته تلك، وهنا يكملون طريقهم بالإبحار باتجاه المنارة.
وفي نهاية الرواية تظهر الفتاة ليلي وتعزم على أن تقوم برسم اللوحة التي كانت ترغب بها في السابق وتجسد اللوحة التي كانت قد رسمتها في ذاكرتها قبل عشرة سنوات، وهنا تحاول التوازن بين العائلة مع العديد من الانطباعات التي أخذتها في الماضي؛ حيث أنها أرادت من خلال ذلك أن تقوم بمحاولة الوصول إلى حقيقة الحياة التي عاشتها السيدة وعن طبيعة الحياة البشرية ذاتها، وقد تم الانتهاء من رسم اللوحة تماماً حين وصلت العائلة إلى إبحارها إلى المنارة.