يُعتبر المؤلف والأديب ليو تولستوي وهو من مواليد دولة روسيا من عمالقة الأدب والروائيين الروسيين، إذ كان من أكثر الكُتاب الذين برزوا في القرن التاسع عشر والذين كان له تأثير كبير في من تبعه من الأدباء، وقد اعتبره الغالبية العظمى من الأدباء أنه من أبرز العمالقة الذين ظهروا على الإطلاق، ومن أكثر الروايات التي اشتهر بها هي رواية البعث وقد كانت آخر رواية طويلة تم نشرها في حياته، حيث أنه تم العمل على إصدارها في سنة 1899م، وقد تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات العالمية.
رواية البعث
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول قصة أحد الشباب النبلاء من دولة روسيا والذي يدعى ديمتري إيفان نيكليندوف، وقد كان ديمتري من الشباب الذين ما زالوا في مقتبل العمر، كما أنه شاب يتمتع بالثراء والغنى الفاحش، وقد كان شاب لطيف ونظيف من الداخل، إذ لم يكن الشر في داخله أبداً، حيث أنه كان يقضي معظم وقته إما في مساعدة الآخرين ممن يراهم بحاجة أو يتطرق إلى تحصيل العلم ويزود نفسه بالمعرفة والثقافة، كان ديمتري إنسان صافي جداً، إذ أنه كان مستعد للتضحية بحياته في سبيل القيام بعمل جميل ونبيل.
وفي أحد الأيام قام ديمتري بالانضمام إلى الحياة العسكرية، وتلك الحياة كانت من وجهة نظر المؤلف تولستوي أنها في ظل ذلك العهد القيصري ما هي إلا مدعاة للشر وتجمع الحقد والكراهية داخل النفس الإنسانية، ومنذ تلك اللحظة بدأت تظهر داخل ديمتري أنا مختلفة، ففي السابق كان يرى نفسه أنه كائن معنوي، بينما الآن فقد أصبح تظهر الأنا الجديدة وهي ما تتمثل في أنا الحيوانية، حيث أنه صحيح كان جميل الوجه وصحيح الجسم كما أنه شاب يمتلك بنية قوية، إلا أن الأنا الحيوانية تقوده إلى التصرفات والسلوكيات المنبوذة في مختلف المجتمعات، ومن أهم النتائج التي أورثتها تلك أنا هو ذلك التغيير الجذري في إقلاعه بشكل كامل عن إيمانه بنفسه وشخصيته الجميلة لينتقل إلى الإيمان بالآخرين من حوله ومحاولة تقليدهم بشتى الطرق.
ولأجل ذلك لم يكن إيمانه في ذاته من الأمور السهلة عليه، فحينما كان يؤمن بنفسه كأنا جديدة كان ينبغي عليه أن يقوم بالبحث عن حلول لمشكلات كثيرة، وذلك لأنه لغير حقيقته في الأصل، فقد كانت تلك الحلول لصالح الأنا الحيوانية، وفي حال كان يؤمن بالغير فلم تكن هناك لا مشاكل ولا حلول كذلك، إذ كل شيء يعني الأنا الحيوانية هي الأمور المادية على العكس تماماً من الأنا المعنوي، وكانت الضحية لهذه الأنا هي شخصية تدعى كاترين ماسلوفا.
وفي يوم من الأيام كانت تلك الفتاة والضحية كاترين تقيم مع ديمتري في إحدى الضواحي الروسية، كان يلعب معها منذ مرحلة الطفولة، ويقضي معظم وقته معها مثل أخوين متحابين، ولكنه بعد أن رجع إليها من المرحلة العسكرية، وقد كان في ذلك الوقت قد استيقظ الأنا الحيوانية داخله، فقد كان يطل من داخله الإنسان المادي الذي لا يعرف سوى أن يطالب بطمعه ويلبي غرائزه، ومنذ تلك اللحظة بدأت الجريمة، حين أخذ منها ما أرادته الأنا المادية وطمعه، ثم بعد ذلك قام بترك لها ظرف فيه مبلغ صغير من المال.
ولم يكن يفهم ذلك الأمير الشاب ديمتري أنه كان يعني للفتاه كاترين أنه المثال الأسمى والأعلى للشاب النبيل والورع والذي كان على الدوام في نظرها ذلك الشاب الذي يسعى من أجل مساعدة الآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب نفسه، ولكن هنا بدأت تسأل نفسها: ماذا بمقدورها أن تفعل الآن أو بماذا تؤمن بعد ذلك بعد أن توصلت إلى أن ذلك الشاب الذي كان نادر الوجود في هذا العالم أصبح إنسان آخر لا يسعى في الحقيقة إلا ما يطلبه طمعه، فقد أصبح يقضي معظم وقته في تلبية شهواته الحسية، إلى أن أصبحت ضحية ذلك الغرق في عالم لا يرحم أحد، وعلى أثر ذلك قادها ذلك العالم إلى المكوث في السجن متهمة بجريمة قتل.
وبعد مرور العديد من السنوات، كان قد تخلى ذلك الشاب عن الحياة العسكرية وقام بالانضمام للمحلفين في إحدى المحاكم، وهناك يتم إدخال فتاتين ورجل متهمين بجريمة قتل، كان ديمتري ينظر إلى إحدى الفتيات باستهجان، ليس بسبب جمالها الذي أثار انتباه كل من نظر إليها، على الرغم من أنها كانت ترتدي ثياب رثة، بل لأنها هي ذاتها كاترين التي كان قد تقاسم معها ذكريات الطفولة التي ختمها بفعلته الأنانية، والتي قادتها بعد ذلك إلى بحر من الظلمات وقد انتهت في قاعة المحكمة.