تُعد الرواية من أهم الروايات التي صدرت عن المؤلف الأمريكي الشهير ويليام فوكنر، وقد تم تصنيف الرواية من قِبل الأدباء والنقاد على أنها من الروايات التي يطغى عليها طابع السخرية، وقد تم العمل على إصدارها للمرة الأولى سنة 1927م من قِبل دار نشر التي تعرف باسم بوني وليفّرايت الواقعة في مدينة نيويورك، وقد تم تجسيد الرواية في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية.
نبذة عن الرواية
كانت الرواية الثانية للكاتب وقد كانت تتعارض الروايات حولها فيما إذا كان ويليام فوكنر قد كتب الرواية خلال فترة إقامته في مدينة باريس، وقد كان ذلك ابتداءً من سنة 1925 أو في مدينة باسكاجولا في ولاية مسيسيبّي في صيف سنة 1926، ومع ذلك، فمن المتفق عليه بشكل واسع هو ليس فقط الأحداث التي كانت محيطة بالرواية، وإنما محتواها كذلك والذي تم الإشارة به بشكل واضح إلى انخراط الكاتب بشكل شخصي في مجتمع نيو أورلينز الإبداعي حيث قضى وقته قبل أن ينتقل إلى دولة فرنسا، كانت الرواية منظمة في ثلاثة أجزاء يتم من خلالها تقديم الشخصيات بشكل واضح، وقد تم توثيق من خلال الرواية كل يوم من أيام الرحلة على متن السفينة، وفي الخاتمة يتم إعادة الشخصيات المتغيرة وغير المتغيرة إلى حياتهم السابقة خارج القارب.
رواية البعوض
في البداية تدور وقائع وأحداث الرواية في إحدى الشقق السكنية التي تعود ملكيتها لأحد الشخصيات الرئيسية في الرواية وهو رجل يدعى جوردون، وهو شخص يعمل في مهنة الفن التشكيلي، حيث كان يعتبر من الأشخاص النحاتين المتفانين في العمل، كما أنه كان يوصف بأنه إنسان كتوم للغاية، وفي أحد الأيام ينضم شخص يدعى أرنست وهو أحد الأصدقاء المقربين من النحات إليه في شقته، بقي أرنست طوال الوقت يقوم بمراقبة جوردون باهتمام وهو يقوم بنحت أحد التماثيل.
وفي غضون ذلك تشارك أرنست مع النحات في محادثة من جانب واحد بصورة عامة حول قدراته مع النساء، كان النحات يستمر في عمله على الرغم من وجود أرنست ذلك الرجل الذي وصف بأنه ثرثار إلى حد كبير، وقد كان جوردون يطري موافقته بغير مبالاة على كل ادعاء وسؤال يطرحه عليه أرنست، ولكن كان الشيء الوحيد الذي قام برفضه بشكل واضح هو عرض لحضور رحلة على أحد القوارب والتي كانت تستضيفها سيدة تدعى مورير الثرية.
وفي اللحظة التي خرج بها أرنست من الشقة لكي يجلب علبة من الحليب إلى جوردون، التقى بالسيدة مورير وهي مضيفة رحلة اليخت القادمة، وقد كان برفقتها ابنة شقيقها والتي تدعى بات، وفي تلك الأثناء تبع ذلك الحدث عودة سريعة إلى شقة جوردون، حيث عرضت عليه السيدة مورير الانضمام إليهم في رحلة اليخت القصيرة، وعلى الرغم من أن جوردون يبقى باستمرار يوضع مسافة من التحفظ والبعد واللامبالاة بينه وبين أي طرف يتحدث معه، إلا أنه أصبح من الواضح يظهر عليه بعض التحولات في تيار الوعي التي تتبع ذلك، والتي أثبتت أنه على خلاف مع نفسه بسبب انجذابه المفاجئ إلى بّات وهو ما يغير رأيه بشأن الرحلة.
وحينما انصرف أرنست عن جوردون وبقيت النساء معه، عمل مساره خلال المدينة ومسارات الشخصيات الأخرى والتي كانت تتباعد في أعقابه على تقديم مجتمع نيو أورلينز الفني المتعدد الأوجه والذي تركز عليه سرد الأحداث في الحبكة، وفي ذات اللية وأثناء تناول وجبة العشاء زار أرنست جوردون، وتتهيأ الأجواء من خلال العديد من المحادثات التي حصلت حول الفن وكذلك التوترات والاضطرابات التي تم التلميح لها من خلال تفاعلات أرنست، وبعض الشخصيات الأخرى وهم رجل يدعى يوليوس كوفمان وآخر يدعى داوسون فيرتشايلد واللذان بدورهم يبدون مجموعة من التفاعلات والمواضيع التي تأتي لتجسد خصائص بقية الرواية.
وفي الجزء الثاني من الرواية يتم افتتاح المشهد بترحيب السيدة مورير بجميع ضيوفها الذين يعتلون متن السفينة التي يطلق عليها اسم نوسيكا، وقد كانوا مجموعة الشخصيات البارزة والمتنوعة والمُقسمة إلى ثلاثة مستويات من الناحية النموذجية إلى فنانين وغير فنانين وشباب، وعلى الرغم من توفير أساس زمني لجميع النشاطات التي خططت لها السيدة مورير لضيوفها.
أصبح من الواضح أن ضيوفها وعلى وجه الخصوص الرجال، لا يمكن السيطرة عليهم، كما أنهم يتركز كامل اهتمامهم بشكل كبير في شرب الكحول في غرفهم الخاصة والثرثرة حول النساء ومناقشة أساسيات وأشكال الفن، عوضاً عن المشاركة في أي من النشاطات التي تقوم بتقديمها إلى أن ينتهي اليوم الأول على اليخت بنهاية مشوقة صغيرة حينما يشير السيد أرنست إلى أنه معجب بإحدى النساء الموجودات على القارب، ولكنه يقول اسمها فقط خلف الأبواب المغلقة.
وفي الجزء الثالث من الرواية يتم افتتاح المشهد في تلك اللحظة التي تتراجع بها أهمية النشاطات على القارب بشكل أكثر فأكثر؛ وقد كان ذلك جراء نمو العديد من الشخصيات وتفاعلاتها مع بعضها الآخر، تستمر المحادثات ذاتها بين الرجال مع استمرار شربهم للكحول، ولكن يصبح ذلك اليوم من الرحلة محددًا بشكل كبير من خلال التفاعلات بين أزواج من الشخصيات، والذي يتسبب في إحداث توتر واضطراب نفسي مضلل ينشأ بينهم، وتسير المحاولات في تقرب سيدة تدعى جيمسون إلى رجل يدعى بّيت، ولكن لم يكن ذلك الشاب يلاحظ أي شيء من مشاعرها وأحاسيسها أو يبادلها بشيء منها.
ومن جهة أخرى وبشكل مشابه للغاية ازداد اهتمام السيد أرنست بفتاة تدعى جيني، وعلى الرغم من كون هذا الأمر كان يحدث معه بشكل دائم، فهو لا يقوى على تحقيق أي علاقة مع تلك الفتاة، وفي النهاية شعرت السيدة مورير بخيبة الأمل من الحب غير المتبادل أثناء رؤيتها بأم عينها تودد جميع الرجال على القارب إلى الفتاتين جيني وبّات، وفي تلك الأثناء تتشارك الفتاتان النظر إليهما بنظرة ذكورية، وقد كان ملخص تفاعلهن بطريقة غير مباليه لما يكنه الجميع لهن من مشاعر، وقد كانت تلك الفتاتين يتشاركان ذات الغرفة، ويبقيان على الدوام يسخرن ويستهزئن من مشاعر الحب التي يدلي بها الشباب لهن.
كما كان يبدو في الأخير أن الشعور الوحيد المتبادل بشكل منفتح والذي يبدو أنه يتطور على مر اليوم هو الذي بين بّات والخادم المتوتر الذي يدعى ديفّيد ويست، والتي ذهبت للقاء به بالقرب من حوض السباحة في وقت منتصف الليل، وانتهت اللحظات الأخيرة من الرواية بمشهدين متعارضين؛ الأول كان مع عودة ديفيد ويست وبّات في فرحة شبابية عارمة من سباق سباحة بعد منتصف الليل من على القارب والذي قد أصبح مهجورًا في ذلك الوقت، بينما تستلقي السيدة مورير في سريرها تنهد في وحدتها وتتحسر على عمرها الذي أفنته دون اهتمام أي رجل بها.