يُعتبر الكاتب سيرجي تي أكساكوف وهو من مواليد دولة روسيا من أهم وأبرز الكُتاب الذين برزوا في مجال الأعمال الأدبية، إذ طغى على مؤلفاته الأدبية أسلوب الرعب، وهذا ما جعلها تنتشر بشكل واسع حول العالم، كما تمت ترجمتها إلى العديد من اللغات العالمية والأفلام السينمائية، ومن أبرز الروايات التي اشتهر بها هي رواية الزهرة الحمراء.
رواية الزهرة الحمراء
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية في الزمن القديم، حيث كان يعيش رجل غني أرمل ولديه ثلاثة فتيات جميلات، كان هذا الرجل يحب بناته حباً شديدًا، وكانت أصغرهن هي الأقرب إلى قلبه، وفي إحدى المرات عزم التاجر على السفر إلى مكان بعيد لمدة طويلة بهدف التجارة، ولم يكن يعلم متى سوف يعود، وهنا جمع بناته الثلاثة من حوله وجلس معهم، فحب أن يدلي لهن ببعض التعليمات في غيابه، وأول ما أدلى به هو العيش باستقامة في غيابه، وقام بوعدهن بأن يجلب لهن بما يرغبن به عند عودته من السفر، وهنا أخذ يسأل كل واحدة منهن بما ترغب به، فطلبت الكبرى أن يجلب لها اكليل ذهبي مرصع بأحجار كريمة براقة.
ثم بعد ذلك طلبت الوسطى أن يجلب لها بمرآة للزينة وأن تكون ذات صفاء قوي جدًا، ثم بعد ذلك جاء دور الصغرى فطلبت منه طلبًا غريبًا وهو أن يأتي لها بزهرة حمراء لا يوجد لها مثيل، فأدرك التاجر أنه على الرغم من بساطة طلب الصغرى، إلا أنه أصعب طلب؛ وذلك لأنّ المال سوف يأتي بالطلبات الأخرى بسهولة وييسر الصعاب، أما هي فمن أين يجلب لها بأجمل زهرة حمراء في الوجود، وبالرغم من ذلك وعد التاجر ابنته بأن يحضر لها بطلبها، وفي ذلك الوقت بدأ التاجر برحلته ويتنقل من بلاد إلى أخرى، وفي تلك الأثناء كان قد أمن هديتي ابنتيه، بينما هدية الصغرى لم يتمكن من الحصول عليها بعد.
وفي أثناء تجوال التاجر خرج على قافلته قُطاع طرق، وهنا أسرع التاجر بالهرب من القافلة باتجاه الغابة حتى ينجو بنفسه، فالتواجد بين الوحوش من وجهة نظرة أفضل من أن يصبح عبد لدى قطاع الطرق، وقضى التاجر في الغابة يوم وليلة، وفي صباح اليوم التالي إذ بالتاجر يجد طريقًا يؤدي به الى قصر جميل، وفي تلك الأثناء كانت تخرج منه أصوات موسيقى، دخل التاجر إلى القصر وأخذ ينادي على أصحاب القصر، ولكن لم يجيب أحد.
وفي تلك اللحظة بدأ التاجر يتجول في أرجاء القصر، فاندهش بجماله وجمال حدائقه، وبينما كان يجلس على إحدى الأرائك بجانب نافورة وقد اهلكه التعب والجوع واشتد عليه العطش، فأخذ بالحديث مع نفسه عن الجوع والعطش، وفجأة ظهرت أمامه مائدة مليئة بالطعام والشراب، أكل التاجر حتى شبع، ثم بعد لحظات قليلة غلب عليه النعاس وإذ به يجد سرير ممتد بالأغطية الناعمة، فراح في سبات عميق، وأثناء منامه شاهد ابنتيه الكبرى الوسطى تستعدان للزواج دون مباركة والديهما، بينما الصغرى فقد كانت حزينة، ومشغولة بغياب والدها.
وفي تلك اللحظة فزع التاجر من نومه وأخذ يتجول في القصر بين الزهور، وفي أثناء تجواله وقعت عينه على زهرة حمراء لا مثيل لها في الدنيا كما أنّ عطرها كان جذاب جداً وسرعان ما قطفها، لكن ما حدث فجأة أنّ الأرض رجت من تحت قدميه وخرج إليه وحش مخيف وهدده بالقتل جراء قطفه للزهرة المفضلة لديه، وهنا طلب منه التاجر السماح بسماع قصته، وحينما سمع الوحش قصة التاجر وعرف أن لديه ثلاث بنات، اشترط عليه من أجل النجاة بحياته أن يبعث إليه إحدى بناته بكامل إرادتها، عوضاً عنه وأعطاه فرصة ثلاثة أيام لتنفيذ طلبه، وإن لم يوفي بوعده سوف يري مصيرًا رهيبًا في انتظاره، وقدم له خاتم سحري يستطيع من خلاله التنقل به من مكان إلى آخر في أي وقت وحيث يشاء.
وهنا بدأ يفكر التاجر في أن يذهب لوداع بناته، ومن ثم يرجع بنفسه إلى الوحش، فقد رأى أنه من غير المعقول أن يبعث إحدى بناته للعيش مع هذا الوحش، وعندما لبس التاجر الخاتم سرعان ما وجد نفسه بالقرب من بيته، دخل التاجر إلى البيت وهرعت بناته لاستقباله، وهنا قدم لكل بنت من بناته هديتها، وسرعان ما ذهبن الكبيرة والوسطى إلى غرفتيهما، ولكن الصغرى شعرت أن والدها مهموم ويعتريه الحزن، فطلبت منه أن يروي عليها ما حدث له أثناء سفره وما سبب حزنه الشديد.
وهنا استدعى الأب بناته وقص عليها الحكاية، فأجابته الكبرى بأن كل ما حصل معه بسبب من طلبت منه الزهرة الحمراء، ورفضت الذهاب إلى ذلك الوحش وكذلك الوسطى وافقتها الرأي، وفي تلك اللحظة أجهش بالبكاء وقرر أن يودع بناته وأن يذهب لمواجهة مصيره مع الوحش، لكن الصغرى رفضت أن يذهب والدها وعزمت على الذهاب إلى الوحش بنفسها، رفض التاجر في البداية ولكن الصغرى أصرت على ذلك.
وطلبت من والدها الخاتم حتى تنتقل إلى القصر الذي يكمن به الوحش قبل مضي المدة المقررة للوفاء بالوعد، فهي سوف تذهب إليه بكامل إرادتها، وبالفعل لبست الصغرى الخاتم انتقلت إلى القصر، وحينما وصلت الصغرى إلى القصر انبهرت بجماله وما تشاهده عيناها من روعة المنظر، وتناولت الفتاة الزهرة الحمراء وعادة زراعتها في مكانها، ورجعت عبر النهر إلى داخل القصر، وحينما شعرت بالجوع وجدت مائدة من الطعام اللذيذ، وحينما طغى عليها النعاس وجدت سريرًا مفروشًا بأثواب الحرير الناعمة.
وهنا قررت أن ترسل رسالة إلى والدها حتى يطمئن عليها وبعد أن أتمت من كتابة الرسالة اختفت الرسالة على الفور، فبدأت الفتاة تلح على الوحش بأن يظهر أمامها، لكنه رفض في البداية مع أنه كان بدأ يتعلق بها وأحبها جداً، وهي كذلك أبدت ذات الشعور بعد كل الخدمات التي كان يقدمها لها في القصر، ولكنه يخشى أن تراه لأنها سوف تخاف وتنفر منه بعد أن ترى منظره المرعب، وهنا وعدته بالبقاء في القصر مهما حدث، وبعد فترة وجيزة لبى الوحش رغبتها، وطلب منها أن تضع الخاتم في يدها بعد أن تشاهده، وسوف ترى نفسها في بيتها لو لم ترغب في المكوث معه، وعندما ظهر الوحش أغمي على الفتاة من هول المنظر، فقد كان ضخم جدًا.
وحينما استعادت الفتاة وعيها، وقالت أنها لن تخشاه بعد اليوم، لأن كرمه ولطفه سوف يهون عليها ذلك المنظر المرعب، ومن هنا اعتادت على منظره ومع مرور الوقت كانا يتجولان في الحديقة كل يوم، وفي أحد الأيام شاهدت في منامها أن أبيها مريض، فاستأذنت من الوحش أن تعود إلى بيتها للاطمئنان على والدها فسمح لها ومنحها فرصة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي بالتمام، فإن لم تعود فأنه سوف يموت نفسه ووعدته الفتاة بالوفاء بالوعد، وحينما عادت الفتاة إلى بيتها أسرعت إلى والدها لترى ماذا حلّ به، فطلب منها أن تخبره كيف عاشت تلك الفترة مع الوحش، وبدأت تقص عليهم ما حدث معها، وأنه ينبغي عليها العودة.
فكرت الأختان بتأخير عقارب الساعة ظناً منهما أنهما بذلك سوف ينقذان أختهما من الوحش، حيث إذا ذهبت له متأخرة عن الموعد المحدد، سوف يكون قد مات واستعادت أختهما حياتها، وبالفعل قاموا بذلك، ومع مضي الوقت المحدد شعرت الصغرى بكآبة داخل صدرها وبدأت تودع أختيها ووالدها، وفي ذلك الحين لبست الفتاه الخاتم فوجدت نفسها بالقصر، ولم تجد الوحش في استقبالها على الإطلاق، كما كان كل شيء في القصر حزين، فسرعان همت للبحث عن الوحش، وإذ بها تجده عند الزاوية التي زرعت بها الزهرة الحمراء، فاعتقدت أنه مات وحاولت مساعدته واعترفت له أنها تحبه ولا تقوى على الحياة بدونه، ولكن فجأة شاهدت الأرض تميد بها فأغمي عليها، وحينما أفاقت رأت أن الوحش قد تحول إلى شاب وسيم جدًا.
وعزم ذلك الشاب على زيارة أهل الفتاه ومعه قافلة محمله بالذهب والهدايا، فاستقبله والدها وطلب منه أن يعرف على نفسه، فقال الأمير الوسيم للتاجر: أنت تعرفني جيدًا، وأكمل الأمير حديثه وقال أنه هو ذات الوحش ولكن أصابته لعنة بسبب غضب إحدى الساحرات على أبيه، وحولته إلى وحش ومن أجل أن يبطل هذا السحر ينبغي أن تحبه فتاة جميلة على هيئة ابنته، وقد كانت الابنة الصغرى مخلصة ووفية، وهنا طلب منها أن تقبل بالزواج منه وتصبح ملكة على مملكته.