يُعتبر الكاتب والمؤلف جوزيه ساراماجو وهو من مواليد دولة البرتغال من أهم وأبرز الأدباء الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، حيث أنه صدر عنه العديد من الروايات والقصص القصيرة، وقد حاز على جائزة نوبل في الأدب على أعماله الأدبية، ومن أكثر الروايات التي حققت له نسبة مبيعات عالية وشهرة واسعة حول العالم هي رواية العمى، والتي تم تجسيدها إلى العديد من اللغات العالمية وأفلام سينمائية عالمية، نُشرت في عام 1995م.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية في مضمونها الحديث عن أحد أنواع الأوبئة الغامضة، حيث أن ذلك الوباء قد أصيب به سكان مدينة لم يتطرق الكاتب إلى ذكر اسمها، وهذا الوباء كان العمى المفاجئ، وتلك الحالة قد أثارت الذعر والخوف بين سكان المدينة، بالإضافة إلى أنها أثارت فوضى عارمة استدعت تدخل قوات الجيش وعناصر الشرطة حتى يتمكنوا من ضبط الأمور ووضعها تحت السيطرة، ويوماً بعد يوم أصبح الوضع أكثر سوءًا، فكل الأمور تسير للخلف، وهذا الأمر يزيد من المأساة وتبلغ ذروتها حين ترفع قوات الجيش يدها وتفقد السيطرة على الجموع العاجزة والواهنة، وقد كان ذلك الأمر الدافع خلف سيطرة العصابات على كافة ما تبقى في المدينة من غذاء ودواء، ومن هنا تبدأ عمليات الاقتتال بين الناس.
ومن جانب آخر كانت قد دار من خلال سرد الرواية التطرق إلى الحديث حول الجانب الإنساني، والذي تم تجسيده من خلال الدور الذي يقوم به الطبيب وزوجته وأسرته، حيث أنهم بقوا متماسكين إلى درجة كبيرة فترة انتشار ذلك الوباء بشكل مفاجئ كما يظهر في الرواية، ومن ناحية أخرى تناولت الرواية الحديث عن ظاهرة العمى الفكري، كما أشير إلى أن الأخلاق البشرية والمبادئ والقيم الإنسانية تصبح هشة جداً أمام الحاجة البشرية، وقد قام الكاتب من خلال الرواية بعدم ذكر أي اسم لأي شخصية، بل كان يشير إلى كل شخصية من خلال المسمى الوظيفي لها.
اعتمد المؤلف على أسلوب الغموض حول اسم المدينة أو الدولة التي حصل بها ذلك الوباء، فلم يذكر أي اسم على الاطلاق؛ وذلك رغبة منه أن تكون أحداثها ووقائعها من الأمور التي من الممكن أن تحصل في أي مدينة أو دولة حول العالم، وقد أراد أن يطغى عليها أسلوب العالمية والشمولية، وكل ما ورد بها القليل من الدلائل الثقافية، وهذا ما ساعد في عدم تقديم أي هوية مكانية أو زمانية، فحين يحتاج المؤلف الحديث عن الدولة يقول الوطن.
رواية العمى
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول تفشي وباء غير معروف الأسباب في إحدى المدن، وهذا الوباء هو العمى، إذ يصاب به جميع الناس الذين يقيمون في تلك المدينة المجهولة، وقد ترتب على تلك الأوضاع السائدة مجموعة كبيرة من المساوئ التي ألحقت الضرر والأذى بالسكان والمدينة والمجتمع بأكمله، وهنا يقوم الكاتب بالتركيز ومتابعة المأساة التي عاشتها مجموعة من الأشخاص، وقد كانت تلك المجموعة من أوائل الأشخاص الذين أصيبوا بالوباء، وأكثر ما كان التركيز على شخصية الطبيب وزوجته، حيث أنه في أحد الأيام يتم حجز مجموعة من المرضى الذين يترددون على عيادة الطبيب من باب الصدفة.
وبعد انقضاء فترة لا بأس بها في الحجر الصحي، ومن ذلك الحجر كان قد نشأ بين أفراد المجموعة علاقة ترابط وصداقة قوية جداً، إذ أصبحوا وكأنهم عائلة واحدة تماماً، حيث أنهم أثناء تلك الفترة يحاولون قصارى جهدهم مترابطين مثل وكأنهم يد واحدة من أجل المقاومة والدفاع والنجاة من الإصابة بذلك الوباء، لكن ذلك لم يجدي نفعاً، إذ أصيبوا جميعاً بالوباء، ولكن من حسن حظهم أنه من كان معهم هي زوجة الطبيب، حيث كانت تقوم بخدمتهم، إذ أنها كانت ما زالت غير مصابة بذلك الوباء، وكانت ما زالت تتمكن من الرؤية ومشاهدة كل شيء من حولها والمجموعة بأكملهم.
وبما أن ذلك الوباء قد ظهر بشكل مفاجئ ولم يتم معرفة الأسباب التي جاءت به، وعلى أثر الطبيعة التي أصبحوا بها من العمى أدى إلى انتشار الذعر والخوف والتوتر والقلق على نطاق واسع، وكما كان ذلك الوباء السبب في إزالة الستارة التي تغطي على حقيقة عن النظام الاجتماعي، حيث أن سرعان ما تقوم الجهات الحكومية بالسيطرة على الأوضاع ومحاولة احتواء العدوى من خلال القمع والضرب باستخدام القوة بشكل أحمق.
تطرق المؤلف في سرد الجزء الأول في الرواية في متابعة إلى التجارب الحياتية التي عاشتها الشخصيات الرئيسية حينما احتجزوا في أحد البنايات الوسخة والمليئة بالقذارة، كما كانت تلك البناية مزدحمة مع مجموعة أخرى من الأشخاص المصابين، وقد تمت الإشارة في هذا الجزء إلى النظافة والظروف المعيشية التي عاشها المجموعتين مع بعضهم ومدى تدني المعايير والفضائل الأخلاقية بشكل مخيف أثناء فترة وجيزة، فقد كان يشير إلى أن تلك الأمور تجسد وتعكس الحياة الطبيعة للمجتمع في السابق بالخارج.
وفي ذلك الوقت بدأ القلق يسيطر على الجميع وبدأت التساؤلات عن مدى توفر الغذاء، حيث أنه كان هناك سوء تنظيم في طرق التسليم، وعلاوة على ذلك كان هناك محاولات كثيرة تشير زعزعة النظام وخلق النزاعات والمشاكل، كما ظهر عدم وجود نظام قادر على التكفل في تأمين الطعام وتكفل المساواة في تقسيم حصص الغذاء، بالإضافة إلى ذلك كانت القوات العسكرية التي تم تكليفها في حراسة المبنى والحرص على المحتجزين.
في لحظة ما يصبحون أشخاص عدائيين بشكل مرعب ومؤذي، كما أنه بدأ المرض يصيبهم واحداً تلو الآخر، وعلى أثر ذلك رفض هؤلاء الحراس السماح للمحتجزين بالحصول على أبسط أنواع العلاجات، وقد تسبب ذلك في أن أبسط الإصابات تصبح مميتة، وكانوا الحراس حذرين جداً في منع الاختلاط معهم ومن إي محاولة هروب أي مصاب منهم، وفي أحد الأيام حينما كانوا المصابين ينتظرون وقت تسليم الحصص الغذائية، قام عناصر الجيش بإطلاق الرصاصات المتتالية حول المصابين.
ومن هنا تبدأ الأوضاع بالوصول إلى الذروة، حيث أنه بعد أن تم تكليف جماعة من المسلحين السيطرة على توزيع الحصص الغذائية؛ وذلك من أجل التحكم بالمحتجزين وتعريضهم إلى الإهانة والتجويع والدفع بهم إلى المجاعة، وهنا يقرر المحتجزين بالقيام بحرق المبنى، ومن هنا قوات الجيش قد تركتهم وانقضت، وفي تلك اللحظة يقوم المحتجزين بالانضمام إلى الحشود المصابة في الوباء في الخارج الذين لا يفعلون شيء سوى التجوال في المدينة المدمرة بالكامل ويحاربون بعضهم من أجل النجاة بأنفسهم من الموت جوعاً.
وفي النهاية ينهار المجتمع بالكامل، كما انهار النظام والقانون وضاعت الخدمات الاجتماعية والحكومة، وكل ما في تلك المدينة حيث أنه يصبح كل شيء لا يمتلك أي أهمية، تشتت جميع العائلات ولم يتمكن أحد من الوصول إلى الآخر، وتراكمت الجموع في المباني وأصبحت تحاول الحصول على الأغذية بأي طريقة كانت، وهنا أصبح التكيف البشري مستحيل في ظل هذا الوباء، إذ ساد العنف واليأس، وفي يوم ما رحل الوباء عن المدينة بذات الطريقة الغامضة التي ظهر بها.