تُعتبر الروائية مرجان ساترابي وهي من مواليد دولة إيران، ولكنها مقيمة في دولة فرنسا، من أهم وأبرز الكاتبات اللواتي لمع صيتهن في القرن التاسع عشر، حيث أنها صدر عنها العديد من الأعمال الأدبية المميزة، ومن أهم أعمالها الأدبية هي رواية برسبوليس، والتي تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية العالمية.
رواية برسبوليس
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول الشخصية الرئيسية وهي فتاة تدعى مرجان، والتي تتم مناداتها باستمرار مارجي، وقد كانت تلك الفتاة في ذلك الوقت تبلغ من العمر عشر سنوات، وقد تم التطرق للحديث عن موضوع أحداث الثورة الإسلامية التي كانت قد حدثت في دولة إيران في سنة 1978م ومدى التأثير الذي تركته في الشعب الإيراني، وعلى وجه الخصوص تأثيرها على فئة النساء، إذ أنه بعد تلك الأحداث تم فرض الحجاب على جنس الإناث بما فيهم الفتيات اللواتي كانت في سن مبكر، كما تم فصلهم عن الذكور ومنع الاختلاط بينهم على الإطلاق.
وقد نشأت الفتاة مارجي في ضوء انتشار التطرف الديني والأحداث السياسية، وقد كان ذلك الأمر قد أثرى لديها روح الإصرار في الخوض لمعرفة التاريخ السياسي لعائلتها، وفي تلك الأثناء كان متاح لمارجي مجموعة من الوسائل التعليمية المتنوعة مثل جهاز الراديو والعديد من الكتب في سن مُبكر جداْ من عمرها، وبما أن أسرتها كانت تنتمي للطبقة المتوسطة العليا من المجتمع، كانت قد شاركت أسرة مارجي في مرات عدة في المظاهرات التي أقيمت ضد النظام، إذ طالب فيها الشعب الإيراني نفي الشاه من الدولة بأكملها؛ وذلك كنداء منهم للحفاظ على مصالحهم وحقوقهم.
ولكن ما حصل هو أنه بعد أن رحل الشاه بدأ التطرف الديني في تصاعد وتزايد، مما جعل الأمور تتدهور أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، وعلى إثر ذلك بدأ اهتمام مارجي يتوجه نحو الجانب السياسي، وهنا كانت قد تردد على مسامعها مجموعة من القصص حول شقيق والدها الذي يدعى أنوش حول اعتقاله وسجنه بسبب أنه كان رجل ثوري وشيوعي، وهذا الأمر كان قد دفع بموجي للسعي من أجل تحقيق العدالة والمساواة في مجتمعها.
ومع مرور الوقت ازدادت الأحوال السياسية في دولة إيران سوءًا؛ وذلك جراء قمع الحريات الشخصية والعمل على منع دخول أي نوع من أنواع الثقافة الغربية، بالإضافة إلى وضع عقوبة كل مواطن يفكر في خرق القوانين الإسلامية المتبعة، ومنذ تلك اللحظة بدأت أسرة مارجي تشعر بالقلق والخوف على حياتهم وحياة أبنائهم، كما أن العديد من أصدقائهم وكذلك آلاف من الشعب الإيراني قد هربوا من النظام الجديد المتبع في الدولة إلى جهة الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولكن عائلة مارجي أصروا على البقاء في بلادهم، وفي أحد الأيام تم إلقاء القبض على العم أنوش مرة أخرى من جديد، وفي هذه المرة تم توجيه تهمة إليه بأنه جاسوس كبير، وبالتالي تم الحكم عليه بالإعدام؛ بسبب اتجاهاته ومعتقداته السياسية، وبسبب هذا الحدث دخلت مارجي في حالة يأس وإحباط.
وبعد اندلاع الحرب بين كل من إيران والعراق، أصبحت العاصمة الإيرانية طهران في حالة خطر، كما أنه تم العمل على قصف الحي الذي تقيم به مارجي وأسرتها، وهذا القصف قد تسبب في مقتل عدد كبير من الجيران الذين كانوا من أصول يهودية بما فيهم شخص كان مقرب من عائلة مارجي ويدعى بابا ليفي، حيث تم تدمير منزله بشكل كامل، وخلال تلك الأحداث كان هناك فقط فئة قليلة جداً من اليهود في إيران، وحين شاهدت مارجي جثة صديقتها ابنة السيد ليفي بهذا المنظر تحت الحطام أصيبت بالصدمة، وهذا الحدث أدخلها في حالة من الغضب الشديد نحو النظام السياسي المتبع في الدولة الإيرانية، ولهذا بدأت عائلتها في القلق بشأن سلامتها والحفاظ على حياتها وعزمت على إرسالها إلى دولة النمسا؛ وذلك حتى تكمل دراستها والفرار من أجواء الحرب، وبالفعل تتجه مارجي إلى النمسا.
وفي الجزء الثاني من الرواية تم الحديث عن رحلة مرجان إلى النمسا وهي ما زالت فتاة صغيرة لم تتجاوز سن المراهقة، وأول ما وصلت إلى هناك واجهت الكثير من العقبات والصعوبات؛ وذلك مثل اختلاف الثقافة بالإضافة إلى صعوبة التواصل مع الآخرين كونها لا تتحدث اللغة النمساوية، وهذا الأمر جعلها تشعر بالعزلة والوحدة، ولكن لم يستمر ذلك طويلاً، إذ سرعان ما تأقلمت مع الوضع الجديد وتخطت هذا التغيير، وأول ما بدأت به هو تكوين صداقات عديدة، من خلال إقامتها في سكن للراهبات.
وفي أحد الأيام تعرضت مارجي لانتقاد عنصري من قِبل إحدى الراهبات، والذي تسبب في شتم مرجان للراهبات كافة، وهذا أدى إلى طردها من السكن، ومن هنا انتقلت للبحث عن مكان تقيم فيه، وبعد انتقالها من أماكن عدة استقرت في النهاية في أحد البيوت الكبيرة مع طبيبة تدعى هيلر، والتي بدورها كانت مالكة المنزل، ولكن مع كل ذلك لم تتمكن مارجي من نزع التفكير في الأحداث التي تدور في إيران من عقلها، وهذا ما زاد لديها حس الوطنية والشعور بالأسى على ما يحدث في وطنها، وفي مكان إقامتها تعرضت للعديد من الألفاظ العنصرية بسبب هويتها الإيرانية.
كما تسببت هويتها في حدوث أزمة لها، حتى أنها في إحدى المرات صرحت لأحد الفتيان أن هويتها فرنسية، ولكن هذا التصريح تسبب لها بالسخرية والاستهزاء، ولهذا شعرت مرجان بالذنب كما تذكرت الماضي الذي عاشته أسرتها، وهذا ما حول هذه الأزمة إلى مصدر فخر واعتزاز كونها إيرانية، وجراء حالة الاضطراب والتوتر التي دخلت بها مارجي عزمت على مواعدة الفتية إلى أن انتهى بها الحال مع شاب قام بخيانتها مع فتاه أخرى، وما زادت سوء معيشتها هو اتهام هيلر لها بأنها سرقت ساعتها الثمينة، ولهذا شعرت بالغضب مرجان وغادرت المنزل دون عودة، وأصبحت متشردة في الشوارع لفترة طويلة.
إلى أن جاء اليوم الذي استيقظت به مارجي من غيبوبتها ووجدت نفسها على سرير وبجانبها طبيب، وقد اتضح أنه تم العثور عليها في إحدى الشوارع وقد كانت في حالة صحية حرجة جداً، وهنا طلبت إجراء مكالمة هاتفية إذ تحدثت مع والديها وطلبت منهم أن يعيدونها إلى إيران؛ وذلك لأنها أصبح وضعها سيء، وبالفعل عادت إلى إيران وقد وجدت أن الحرب قد انتهت، ولكن الوضع لم يطرأ عليه أي تحسن أبداْ.
وعلى إثر المناظر التي شاهدتها مارجي دخلت في حالة اكتئاب شديد؛ إذ شعرت أنها إنسانة غريبة في دولة النمسا وفي موطنها كذلك، وفي تلك الأثناء التقت مارجي بشاب يدعى رضا، حيث نشأت بينهم علاقة عاطفية على الفور، وفي إحدى المرات تم إلقاء القبض من قِبل الشرطة الإسلامية عليهم في إحدى الأماكن العامة، وقد أجبرتهم عناصر الشرطة على دفع ضريبة العقوبة أو أن يتم جلدهم، أو أن يتم عقد زواجهم، وبالفعل تزوجت مارجي من رضا، في إحدى الليالي أقيمت حفلة وقد كانت لم تخضع للشروط المشروعة، ولكن داهمت الشرطة الإسلامية المكان وتخلصوا من الفتيات ومن المشروبات الكحولية، بينما الفتية هربوا إلى سطح المبنى.
ولكن تم مطاردتهم وهذا ما اضطر الفتية إلى القفز للمبني المجاور، ولكن أحد أصدقاء مارجي المقربين والذي يدعى نامي تردد وسقط وتوفى، وبعد فترة قصيرة تدهور زواج مارجي اكتشفت أنها لم تعد ترغب في العيش مع رضا بعد الاّن، وعلى إثر ذلك قررت الانفصال والطلاق منه، ولكن إحدى صديقاتها نصحتها أن لا تقدم على ذلك الأمر؛ وذلك بسبب سمعت النساء المطلقات في المجتمع، ولكن جدتها شجعتها على ذلك وبالفعل انفصلت مارجي عن رضا وهنا رحبوا أهلها بها مجدداً وعلقوا على مدى فخرهم بها، كما اقترحوا عليها مغادرة إيران بشكل دائم وتعيش حياة أفضل في الدول الأوروبية.