من أبرز الروايات التي ظهرت في العصر الحديث والتي لاقت رواجًا كبيراً على مستوى العالم هي رواية قلادة آنا، حيث تعود كتابتها إلى المؤلف والطبيب أنطون تشيخوف، وهو من مواليد دولة روسيا، فقد كانت الروايات والقصص التي تخرج منه تصنف كأعظم قصص قصيرة وروايات في تلك الفترة.
رواية قلادة آنا
كانت تبدأ الأحداث في الرواية بالفترة التي تبعت عقد القران الذي كان يخلو من أي مظهر من مظاهر البهجة والسرور، حيث أنه قام العروسين بتبديل ثيابهم استعداداً للتوجه إلى إحدى محطات القطار، وفي ذلك الحين كان كافة المتواجدين يتحدثون عن شخص يدعى موديست اليكسييتش صاحب المكانة العالية والمركز المرموق.
ولكنه في ذلك الوقت لم يبقَ على ما كان عليه في السابق عندما كان شاباً فقد أصبح في عمر الثانية والخمسين، فقد كان في تلك اللحظة قد دبر هذه الرحلة إلى الكنيسة، من أجل أن يوصل شيء مهم لزوجته والتي كانت لا تزال في مرحلة الشباب إذ لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، وهذا الأمر كان يقتضي بوضع الدين والأخلاق في المقام الأول من مهمات الحياة.
وعلى الرصيف القريب من القطار كان يقف والد العروس الذي كان منغمر في الشرب وهو يصيح بأعلى صوته آنيا يا آنيا، بينما شقيقيها الصغار اللذان ما زالا في المرحلة الابتدائية ويدعيان بيتيا وأندريوشا، فقد كانا حينها يشدان والدهم من جاكيته ويهمسان في أذنه: كفى يا والدي، فقد أصبحت آنا مع موديست بمفردها، وهي تنظر إليه بكل بؤس وإحباط، فلا تقوى على تتخيل في نفسها كيف سوف تكمل حياتها مع هذا العجوز السمين.
وفي تلك الأثناء همس في أذنها قال لها وهو مبتسم: لا يسعني إلا أن أقوم بتذكر إحدى الوقائع التي حصلت منذ من خمس سنوات، حينما تم تسليم كوروسوروتوف وسام القديسة آنا، من الطبقة الثانية، إذ جاء حينها لشكر صاحب السمو ورد عليه، إذن لقد أصبح لديك الآن ثلاث من الآنات، واحدة في عروتك واثنتان في رقبتك، فقد كان متزوج في تلك الفترة من امرأة مستهترة تسمى آنا.
كما تابع حديثه بقوله أنه يأمل حين يتم حصوله على وسام آنا من الدرجة الثانية، لا بد أن يكون لدى صاحب السمو مبرر حتى يرد عليه بذات الشيء، وفي أثناء الرحلة في القطار بدأت آنا تفكر في كيف لها أن وافقت على الزواج هذا الرجل؛ من أجل أن تودع الفقر وتتخلص منه للأبد، وكيف أنه حين توفت والدتها، عزم والدها على أخذها.
حيث كان والدها في تلك الفترة معلماً وخبير في الشرب بشكل كبيرة وجنوني، مما جعل الديون تتراكم عليه بشكل لا يمكن حسبانه، ولا يوجد مصدر دخل يغطي كل تلك المصاريف والديون، وها هي قامت بقبول زواج من هذا الرجل الغني من أجل الهروب من واقعها المؤلم، ولكنها حتى تلك اللحظة لم تملك أي عملة من النقود، إضافةً إلى أنها تركت أخويها الصغيرين في العمر ولا تعرف ما يخبئ لهم مصيرهم.
قضى العروسين يومين في منطقة الدير ثم بعد ذلك عادا إلى مدينة ليسكنا وبدأوا العيش في بيت حكومي، وحينما كان يقوم زوجها بالذهاب إلى مكان عمله، كانت تقوم آنا بالعزف على آلة البيانو وحين تشعر بالملل تستلقى، وعندما كان زوجها يعود للمنزل كان يتناول كميات كبيرة من الطعام، كما يقوم بالحديث كثيراً أثناء تناول الطعام، لكن آنيا لا تقوى على الطعام وتنهض عن المائدة وهي جائعة، ثم بعد ذلك يذهب اليكسيتتش للخلود إلى النوم، حيث كان يشخر بصوت عالي، وفي ذلك الوقت كانت تذهب آنا لزيارة أهلها وتتناول معهم حساء الكرنب والعصيدة، أما والدها يبقى في احتساء الشراب.
وحين يأتي المساء كان زوجها يلعب الورق مع أصدقائه وكانت تلتقي هي مع زوجاتهم ذوات الشكل القبيح بكل أناقة، وفي بعض الأحيان كان يصحبها إلى المسرح، وحين تمر بالبوفيه المخصصة للحلويات تتوق إلى قطعة من الحلوى، لكنها لا تمتلك النقود، فقد كانت تخجل أن تطلب منه.
كانت آنا باستمرار تشعر أنها حمقاء للغاية جراء تزوجها من رجل بخيل كثيراً من أجل النقود، إذ كان ينبغي عليه أن يقدم لها النقود من تلقاء نفسه، أو يسألها عن متطلباتها، فهي الآن لا تمتلك أي نوع من أنواع القطع النقدية على الإطلاق، وكانت تخجل من أن تقوم بأخذ النقود سرًا دون علمه، فقد كانت تخشاه وترتعب منه، وذات مرة تجرأ والدها على طلب 50 روبيلا منه كقرض؛ وذلك من أجل تسديد بعض الديون، حينها وافق موديست على إعطائه النقود، ولكن بعد توبيخه طويلًا .
ومع حلول فصل الشتاء وقبل مجيء موعد أعياد الميلاد بفترة بسيطة، نشرت إحدى الصحف المحلية إعلان حول أنه في تاريخ 29 من ديسمبر، سوف يقام في مكان مجمع النبلاء الحفل السنوي المعتاد، وكانت هذه أول مره يقوم بإعطائها مئة روبل لتشتري فستاناً، وقديماً كانت أم آنا تعمل مربية لذلك كانت تعلمها كيف تختار الفساتين وعلمتها أيضاً اللغة الفرنسية.
حين وصلت آنا إلى الحفلة انبهرت بالأضواء وأصوات الموسيقى، كما انجذبت حولها أنظار الجميع حتى والدها، الذي عزم على حضور الحفل وهو يرتدي بدلة رسمية، وحينها قال لها والدها: اليوم أشعر بالأسف على تسرعك بالزواج، توجهت آنا للرقص مع مجموعة من الضباط المرموقين، وفجأة اقترب شخص من أصحاب السمو مبتسماً وقال لها أنه سوف يقوم بسجن زوجها؛ لأنه لم يظهر لهم ذلك الجمال، وعزم على أخذها نحو كشك الأعمال الخيرية، وحينها كانت آنيا في قمة الحيوية والنشاط.
وفي اليوم التالي أيقظتها الخادمة من نومها لتخبرها أنّ صاحب السمو حضر بشكل شخصي ليشكرها على مشاركتها في الحفل، وسرعان ما ارتدت ثيابها ونزلت إليه مسرعة فشكرها صاحب السمو بنفسه، وحينها قام بتقبيل يدها وانصرف، وقفت آنا مذهولة جداً مما حدث، وهي تعرف أن هناك أمراً مذهلًا قد حدث في حياتها، وحين دخل زوجها بذلك التعبير المعتاد على وجهه، فقالت له بكل سرور أغرب من هنا أيها الأحمق الغبي.
ومن هنا بدأت آنا تشارك في جميع الرحلات والحفلات، وتذهب بشكل يومي إلى المسرح وتعود كل يوم قرب طلوع الفجر، كما أنها أصبحت تأخذ من نقود زوجها ما تريد دون استشارته، وعند حلول عيد الفصح حصل موديست على وسام آنا من الدرجة الثانية، وعندما جاء إلى صاحب السمو ليشكره على إعطاءه الوسام نظر إليه وقال له: أصبح لديك ثلاث آنات واحدة في عروتك واثنان في رقبتك، فوضع موديست يديه على شفتيه خوفاً من الضحك أمام صاحب السمو وقال: لم يبق الآن إلا انتظار فلاديمير الصغير، في إشارة منه إلى وسام فلاديمير من الطبقة الرابعة. .