رواية كل شيء هادئ على الجبهة الغربية - All Quiet on the Western Front

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب إريك ماريا ريمارك وهو من مواليد دولة ألمانيا من أهم الكُتاب الذين برزوا في القرن التاسع عشر، إذ أنه كان من الكُتاب الذين تناولوا في رواياتهم الحديث عن وقائع وأحداث حقيقية وواقعية، ومن أكثر الروايات التي اشتهر بها هي كل شيء هادئ على الجبهة الغربية، وقد تم تجسيد الرواية إلى العديد من الأفلام السينمائية، كما تمت ترجمتها إلى أغلب اللغات العالمية.

رواية كل شيء هادئ على الجبهة الغربية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول شخصية تدعى باول بويمر وهو كان ذلك الشخص الذي قام بالتطوع مع أبناء صفه أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى للعمل مع الجيش، وقد كان يطلق عليهم اسم (الشباب الحديدي) إذ تطوعوا من تلقاء أنفسهم وانضموا إلى زملاؤهم في الجيش والذين كانوا من العمال والصيادين والفلاحين، والسبب الذي جاء فيه باول وزملائه إلى الجبهة هو الشعور الغامض بالعصبية والتي كانت تزيد حدتها يوماً بعد يوم.

وعلاوة على ذلك فقد كانوا يحرضون أساتذتهم ومدراءهم للانخراط في الحرب، وقد كانوا يرون أن انضمامهم إلى الحرب قد يكون راحة لهم من عبء الدراسة، وقد كانت تلك البداية البريئة التي قادتهم صوب الحرب، والذي لم يرى أياً منهم فيها فائدة له أو للمجتمع الذي يقطن به أو حتى للإنسانية بأكملها، كان المدرب الذي يُعنى بهم يدعى هيملشتوب، وقد كان شخص شديد جداً إذ يرهقهم في التدريب ويوقفهم ما مقداره ربع ساعة تحت البرد القارس، وهذا ما جعلهم يكرهونه جداً، ثم بعد ذلك يتم تعيين مدرب مختلف تماماً في أسلوب التدريب يدعى كات، وهو كان جندي مخضرم ويعتبر المساعد لباول.

وبعد مرور ما يقارب عامين من الحروب التي كان يخوضها باول، اكتشف أنه تجرد تماماً من إنسانيته، إذ أنه ما تعلم من الحرب إلى أن كيف يكره ويقتل أي شخص يقابله من الطرف الآخر لم تسبق له معرفتهم على الإطلاق، ولم يسبق أن أساء إليه أحداً منهم، يختار الكاتب الحديث في الرواية من خلال عيني باول، إذ يعيش ريمارك حياة الحرب بكلامه عن الهجمات الأولى والصواريخ تضيء الليل ويسمع صوت مدافع الدبابات، إضافة إلى طلقات الرشاشات كما تتطاير الشظايا وألغام والقنابل اليدوية من حوله.

وقد كان في ذلك الحين قد انتقل الكاتب بالحديث على لسان أحد الطلاب من الذين التحقوا بالحرب وما زال من الناجين من قذائف الحرب، حيث قال: بجانبنا إنسان يرتعش من الخوف وكان هناك رأس مقطوع ووجه آخر معصور بين أيدي العدو، وخوذته متدحرجة على الأرض وهيستيريا القذائف من كل جانب، على الدوام كان هناك جثث جديدة ضحية للقذائف، كما كان هناك وجوه شاحبة وأيادي متشنجة، كما كانت الوجوه الميتة تحمل تعبيراً شنيع وكأنها وجوه أطفال موتى، وفي تلك اللحظة كانت الأرض تكاد تتشقق من كثرة المقابر فيها فقد كانت توابيت الموتى تتطاير من جهة إلى أخرى، وفي تلك الأثناء صرخ أحدهم: غاز غاز، وهنا هرع الجميع من أجل ارتداء الأقنعة الواقية.

وفي ذلك الوقت كان على الأرض مازال أحدهم ممدداً، وقد كان متشنج ويصرخ: ابقوا معي أرجوكم لا تذهبوا، وهنا أراد كات أن يشهر مسدسه ويطلق النار عليه، حيث أن جسده لا يتحمل أن يتم نقله، كما أنه كان في الحقيقة يريد تخليصه من معاناته الصعبة والأخيرة، وفي ذلك الوقت كان كات يهز رأسه متألم على مثل هؤلاء الشباب الذين كانوا مدفوعين بقوة إلى الموت السريع، ثم بعد ذلك كان الجميع يعاني الإعياء والتعب والجوع، ومن حولهم محاطون بكم هائل من الموتى والجرحى وبشر دون أفواه ودون وجوه.

ومع كل الظروف التي كانت تحيط بالجنود إلى أن هيملشتوب لم يفك عن تحقير أولئك الجنود الجدد الطلاب، وقد كان من بينهم ابن وزير، لكنه لم يكن يعلم ذلك، إذ علم بعد فوات الأوان، إذ كان ذلك بعد إرساله إلى الجبهة، ولكن هيملشتوب حاول الوصول إلى الشاب ومحاولة إنقاذه بشتى السبل، وبعد الحصول على فرصة استراحة قصيرة كان كات يقوم ببعض الحيل والخطط الفرنسية في الحرب، إذ كان يتمنى لو أن الحرب تنطفئ وتنتهي الشناعة والبؤس، ويستيقظ في يوم ما وكأنه شاب سعيد يحيا بحياة آمنة.

لكن كان كل شيء محطم من جميع الجوانب، فعلاوة على أنه كان هناك الكثير من الخسائر البشرية، فقد كان هناك أيضاً خسائر نفسية كبيرة جداً، وقد اتضح ذلك بعد زيارة كات لأهله، حيث تبين له ضريبة الحرب التي دفعت من نفسيته، فقد كانت البلدة ما زالت على حالها لم تتغير منذ مغادرته لها، ولكن في ذلك الوقت قد شعر أنه لم يعد ينتمي إليها من بعد مكوثه لفترة في الحرب، إذ أصبح الناس في بلدته وكأنهم عالم غريب، إذ لم يستطيع التواصل مع الغالبية العظمى من أهل البلدة، إذ أنه شعر أن والده يقوم بسؤاله أسئلةً محزنة عن خبراته في الحرب، وفي تلك اللحظة كان ليس بوسعه التعبير عن هذه الأمور، فقد كان والده مدير مدرسة قديم يسعى للتقدم نحو مدينة باريس.

الوحيد الذي كان كات قادر على التواصل معه هو والدته فقط والتي كانت متوفية في ذلك الوقت، فقد كان يشاركها العطف، ففي الليلة التي سبقت رجوعه سهر معها يتبادلان المشاعر المليئة بالمحبة والاهتمام نحو بعضهما بعضاً، وقد أخذ عهد على نفسه ألا يعود إلى بلدته في إجازة مرة أخرى، أما عن باول فقد استنتج أنه ما عاد يملك ارتباط حقيقي مع مدينته، إذ كان يسأل نفسه على الدوام: ماذا يعرف أولئك عن الحياة إذا كانوا لا يعرفون ما معنى الموت؟

وبعد مرور فترة قصيرة عاد كات إلى رفاقه وشعر بالسعادة عندما اتحد معهم من جديد، وفي لحظة من اللحظات كان قد ذهب في دورية، وأثناء دوريته يقوم بقتل امرأة للمرة الأولى في حياته، وذلك من خلال اشتباك كان قد حصل وجهاً لوجه باستخدام السلاح الأبيض، وعلى الفور شعر بالندم وطلب الغفران من جثة القتيلة، وهنا دُمّرت نفسيته بالكامل، إذ وصف ذلك الشعور الذي تملكه حينما قام بالقتل لأول مرة إنسان عن قرب وبوعي كامل أنه كان دفاع عن النفس.

وفي أحد الأيام يصل باول إلى خندق إذ يتفاجأ بوجود جندي فرنسي وسرعان ما يرديه قتيل، وبعد أن يهدأ من روعه ينظر إلى ضحيته ويتأملها بكل حزن ثم يقوم بوعده بأنه حينما يعود من الحرب، سوف يبحث عن عائلته ويقدم لهم العون، فقد كان لا أحد منهم يريد الموت ولا يحلم به، فالجميع كان يأمل بالحياة، ولكن كانوا يعلمون أنهم لو عادوا سوف يكونون متعبين ومنهكين، ليس لديهم ولا حتى جذور من الأمل وسوف يضلون طريقهم.

فكل ما فعلته الحرب بهم هو أن جعلت منهم وحوش، وفي النهاية أضافت عليهم الوجه الإنساني الباحث والمفكر، كما عملت على تحويلهم من طريق التجربة، لا من مجرد التأمّل النظري إلى أشخاص ساعين للسلام محرّضين من حولهم على سلوك درب النزعة السلمية مثلهم تماماً، والأهم من هذا كله من وجهة نظرهم أن باول ورفاقه كانوا قد خرجوا من رحم تلك الحرب دون أن يضمروا داخلهم أدنى شعور من الكراهية تجاه الآخرين على الجهة المقابلة.

حينما كان يشاهد باول رفاقه في الحرب يسقطون واحداً تلو الآخر، هذا الأمر جعل منه شخص لا يرغب بالحياة، فقد شاهد بعينه موت مدربه كات، وفي الفصل الأخير يقول باول: إنّ السلام سوف يأتي قريباً فهو لا يرى أن هناك مستقبل براق ومشرق بالأمل، وفي تلك اللحظة ينتابه شعور بأن لا هدف له حتى يبقى في هذه الحياة، وأن جيلهم سوف يكون جيل مختلف ويُساء فهمه من قِبل المدنيين، وفي النهاية وقبل انتهاء الحرب بأسبوعين يُقتل باول في يوم هادئ ومسالم على الجبهة بشكل ملفت، فلم يشاع نبأ قتله بل اقتصر على الكتيبة فقط. فقد كان مجرد قتيل آخر.


شارك المقالة: