رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير
أنجَشةُ هذا غُلامٌ أسود، كان يسوقُ الإبل ويقودهُا بنساء النبيِّ _صلى الله عليه وسلم _ عام حِجَّةِ الوَداعِ، وكان حَسَنَ الصوتِ، وكان إذا حَدَا (أي أنْشَد)، أسْرَعتِ الإبل.فقال لهُ النّبي:” يا أنْجَشة رُويدَكَ سَوقَكَ بالقَوارير”. يَخافُ صلى الله عليه وآله وسلم أن يُزعِج انبعاثَ النَّاقة للمَشي النِّساء اللّواتي على ظهورها.
لذلكَ يروي البُخاريّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _، كَانَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ”
يتكلَّمُ النّبيّ شفقة بهذا المخلوقِ الضَّعيف، الذي قد يضرُّ به هَزُّ النَّاقة أو يُزعِجَهُ في هَودَجِهِ.
معنى الرفق ومعنى القوارير
الرِّفقُ كلمة تستَشفُّ من معناها اليسر والسُّهولة والعناية والمحافظة والدفئ، وهي ضِدّ العنف والشدّة، وإذا ما عُدّتَ إلى معاجمِ اللّغةِ العربيّة تَجِدُ معنى الرِّفق بأنّه النَّفْعُ، ومنه قَولهم: أرْفَقَ فلانٌ فلاناً إذا مَكّنَهُ مِمَّا يَرتَفِقُ به، ورفيقُ الرّجل: من يُنتَفعُ بِصُحبَتهِ، وَمَرافقُ البيت: المواضع التي يُنتَفعُ بها، ونحو ذلك. ويقال: رَفَقَ – به، وله، وعليه – رِفقاً، ومَرْفِقاً: لانَّ له جانبه وحَسُنَ صنيعه.
أما القوارير، فَهُنَّ قَواريرُ الزّجاجِ الرقيقة التي يجب أن تُحفَظ بِعنايَة ووقايَة ولِينٍ، حتى لا يُكسَرنَ بأيِّ ضَربَة.
إنّهنَّ النِّساء اللّواتي تقَرُّ بهنَّ أعين الرّجال، سواءً كُنَّ أمّهات، أو زوجات، أو بنات، أو أخَوات، تَجبُرهُنَّ الكلمة الطَّيبة الحنونة، ويَكسرُ مَشاعِرهنَّ كلام السُّوء، يَعِشْنَ على الحُبّ، لذلك أوصى النّبي بهذه القَوارير بقولهِ: ((اسْتوصُوا بالنّساءِ فإنَّ المرأة خُلِقَتْ من ضِلْعٍ، وإن أعَوجَ ما في الضِّلعِ أعلاه فإنْ ذَهبْتَ تُقيّمَهُ كَسرتَهُ، وإنْ تَركتَهُ لمْ يَزَلْ أعوجاً فاستوصوا بالنساء)).
أسْمِعْ هذه المرأة، كلامَاً حسَناً طيّباً، فقد خُلِقت من ضلعٍ أعوجٍ ضعيف، يحميه عَضُدُ الرّجل، لا تقوى على تحمُّل الكسرِ والضَّرب، وهذا الضّلعُ بجانِبِ القلب، يتَغذّى من دِمائِهِ، وَمَنبتَ المرأةِ من لحْمٍ ودَمٍ، بخلافِ الرِّجال الذين خَلَقَهمُ الله من طينٍ لَازِبٍ، مَنبتَهُمُ الأرض القاسية، وإذا شِئتَ فاقرأ قولهِ تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].
ارْفِق بالمرأة وكُنْ رجلاً سَلسَاً لَيِّناً، يَعفو ويصفحْ، فإنَّ عفوكَ عنها من خيرِ ما تتقرَّب إلى الله به، فيعفو عنك كما عفوت عنها، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40].
الرِّفق أنْ تجعلَ العقابَ آخر الحُلولِ، وخاصّة مع زوجتِك ولا تقول لها لشيءٍ فَعَلتْهُ لِمَ فَعلته، ولا لشيءٍ لَمْ تَفْعلهُ لِمَ لمْ تَفعَليه، انصَحْ وَبَيِّنْ، وكُنْ لها المُربّي والمُعلّم، واجعَل الدعاء لها لا عَليها، وقُلْ: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74].
فن التعامل مع المرأة
حتّى تَرفقَ بالقوارير لا تجعل المرأة خادمةً في بيتِكَ، لا حديث معها إلا الأوامر والنَّواهي، ولكن كُن دائمَ الوجهَِ المُبتَسمِ أمامها، دونَ إفراطٍ أو تفريط.
حتى ترفقَ بالقوارير لا تنهال على زوجتك سبّاً وشتماً لأيِّ سبب ولأيِّ خطأ، ولا تُعاملها إلا بالحُسنى.
حتّى ترفقَ بالقوارير، لا تجعل عصاك في يدِكَ، وتُقدِّم لها شَرّكَ وتُؤخِر خَيرَك، وليكُنْ شعارُكَ في ذلكَ قولهِ تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]،
وإنَّ الإسلام عندما شَرَعَ للرّجل أنْ يضربَ امرأته، إذا لمْ ينفَع معها وعظ ولا هُجرَان، فإنَّهُ قَدْ رَفِقَ بها حتى في هذا الضَّرب، وحدّدهُ بأن جَعلهُ ضربَاً غيرَ مُبرِّح، وجعلَهُ آخر الحُلول، ألَمْ تسمع بقول النّبيِّ _ صلى الله عليه وسلم _ عندما قال:(لا يَجلِدُ أحدكُم امرَأتَه جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُضَاجعهَا في آخرِ اليَوم).
وأختِمُ القول بأنَّ خَيارَ الرّجال هم خَيارهُم لأهلِيهِم وأزواجهِم، فهذا النّبيّ _ صلى الله عليه وسلم_، وهو أفضل منْ خَلقَ الله تعالى، كان يقول : ((خَيركُم خيركُم لأهلِهِ، وأنا خَيركُم لأهلِي).