قائِلُ هذا المَثَل:
في قبيلةٍ عربيّةٍ يُقال لها خُزَاعَة، كان فيها فارسٌ من أشدِّ فرسانِها ويُدعَى مُعاذُ بن صَرَمِ الخُزاعيّ؛ وكان هذا الفارس مُكثِراً لزيارةِ أخوالهِ وهم من قبيلة عَكِّ العربية. ويقال أنّهُ استعار من أخوالهِ فَرَساً فذهب بها إلى قومهِ قبيلة خُزاعة، فَلَقِيهُ رَجلٌ يُقالُ له جُحَيش بن سَودة، فقال جحيش لمُعاذ: ما رَأيُكَ أن نَتسابَق ومن يَسبِقُ الآخَر يأخذُ خيلَ صاحبهِ. فوافقَ مُعاذ فَتسابَقا فَسبقَ معاذ جُحيشَاً. فلمّا أرادَ مُعاذ أنْ يأخذَ خيلَ جُحيش، اغتاظَ وغضِب وقام بطعنِ خَيلهِ فَقتلهَا. فقال جحيش لمعاذ: لا أُمَّ لك! وهي دِلالة على الدعاء على إنسانٍ آخر بالموت أو بالسُّوء، قتلتُ فرسًا خيرًا منكَ ومن والديكِ، فرفعَ معاذ السيف فضرب مفرقهُ فقتلهُ، ثمَّ لحق بأخوالهِ .
وبلَّغَ قبيلتهُ ما صَنع، فقامَ أخٌ لجُحيش وابن عمٍّ لهُ، فلحقاه فشدّ على أحدهما فطعنهُ بالرّمحِ فقتلهُ، وشدّ على الآخر فضربهُ بالسيف فقتلهُ؛ ثمَّ ولَّى هارباً إلى أخواله.
ثمَّ رَكب فرسهُ وعاد إلى قبيلتهِ خُزاعَة، فأرادَ أهل المقتولِ قَتلهُ، فقال لهم قومه: لا تَقتُلوا فَارسكُم وإنْ ظَلَمْ، فَقبلُوا منه الدِّيّة للمقتول.
ومن هذا المثّل قال الشاعر:
إذا شِئتَ أنْ تُلقى فَزُرْ مُتواتِراً …. وإنْ شِئتَ أنْ تَزدادَ حُبّاً فَزُرغِبّا. وكان (عُبَيد بن عُمير) التّابعي الزّاهد العالِم؛ تَلومُهُ أمُّ المؤمنين عائشة _ رضي الله عنها _ على انقِطاعهِ عنها في الزّيارة، فكان يقولُ لها: يا أمّاه أقولُ ما قال الأُوّل : زُرْ غِبّاً تَزدَد حُبّاً.
أختمُ بما قالهُ (ابنُ بَطّال)؛ وهو من علماء المالكيّة، وهو مِمّن شرحوا صحيح البخاري، قال:” إنَّ الصّديقَ والقريبَ المُلاطِف، لا يَزيدهُ كثرةُ الزّيارة إلا مَحبّةً، بخلاف غيرهِ”.