تتميز كل الأمم التي عانقت الحياة على وجه البسيطة، بميراثها الثقافي الذي تملكه، والذي يصور الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “سرك في بير”.
معنى مثل “سرك في بير”:
الكثير من الناس يلجؤون إلى أصدقاء مقربين فيسرون إليهم بخفايا حياتهم، فكثيرًا ما نسمع أشخاصًا يقولون: ” أأنت ممّن يكتمون السر؟”، فنجد الطرف الآخر يبادر بالقول: “سرك في بير”، وهكذا اعتدنا أن نبدأ حديثنا حين نقرر أن نأتمن أحدهم على سر من أسرارنا، وغالبًا ما نذهب إلى الأشخاص المقربين، عندما تواجهنا أي مشكلة في حياتنا، أو عندما نريد أخد المشورة في بعض أمور حياتنا، على أمل ان هذا السر لن يعرف به أحد، فما العلاقة بين السر والبئر؟
قصة مثل “سرك في بير”:
قد يبدو من الغريب أن يربط المرء الأسرار بالبئر الذي يشرب منه الكثير من الناس، وبالتالي ليس من الممكن أن يكون البئر مكانًا نستشهد به على حفظ الأسرار، وهذا هو الأمر الذي تؤكده القصة التي جاء أصل المثل منها، إذ يُروى أنه كان هناك أحد السلاطين قد أخبر حطابًا في قريته بسر، وشدد عليه ألا يخبر أحدًا أبدًا بهذا السر، ومع مرور الوقت لم يُطق هذا الحطاب صبرًا على أن يكتم هذا السر.
فقرر أن يذهب إلى الغابة، ويبوح به في بئر مهجور هناك، ثم إنه ذهب إلى البئر، ووضع رأسه فيه، وقال بأعلى صوت ذلك السر، وعندما عاد إلى قريته، وجد الخبر قد انتشر بين أهل القرية، وحين علم السلطان أنّ سره قد انتشر، استدعاه، وقال له: “لمن بحت بالسر؟” فقال الحطاب: “سرك في بئر، يا مولاي”، فرد السلطان: “لقد كان في البئر رجلا نائمًا”!، فراحت عبارته مثلًا يتداوله الناس، إذا أراد الإنسان أن يبث الطمأنينة والثقة في نفس من أراد أن يُسرّ له بأمر ما.