شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا

اقرأ في هذا المقال



شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا :

قال تعالى: ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤۖ أَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِیهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِینَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَیۡهِۚ ٱللَّهُ یَجۡتَبِیۤ إِلَیۡهِ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِیۤ إِلَیۡهِ مَن یُنِیبُ﴾ صدق الله العظيم [الشورى ١٣] في هذه الآية يتكلم الله عن تشريع الدين وليس الملة، والذي بدأه مع إرسال نوح عليه السلام إلى أن أكمله مع إرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في سورة المائدةِ، قال تعالى:  ﴿ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم [المائدة ٣].

ولهذا قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ) ولم يقل – شرع لكم الدين الذي وصى به – وبما أنّ الله تعالى أحكم آياته ثم فصّلها، فيجب علينا أن نتساءل، لماذا عندما تكلم سبحانه وتعالى عن ما شرعَ من الدين لنوح قال:( مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا ) ولم يقل – ما وصينا له نوحا – ولماذا بسيدنا محمد صلى عليه وسلم مباشرة بعدَ نوحٍ؟ وليس بعد عيسى عليه السلام كما هو الترتيب الزمني المعروف لإرسال الرسل؟  ولم يُخصّه بالوصايا كما قال تعالى (وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤ) صدق الله العظيم، وخصّصه بالوحي بقوله ( والذي آوحينا إليك) ونحن نعلم بأن الله تعالى قال في سورة النساء قال تعالى ﴿۞ إِنَّاۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ كَمَاۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ نُوحࣲ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِیسَىٰ وَأَیُّوبَ وَیُونُسَ وَهَـٰرُونَ وَسُلَیۡمَـٰنَۚ وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا﴾ صدق الله العظيم[النساء ١٦٣]إذاً هناك فرقُ بين الوصايا والوحي.

قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿یُوصِیكُمُ ٱللَّهُ فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ ﴾ صدق الله العظيم[النساء ١١] وهنا كلمة ( يوصيكم ) وكلمة يوصيكم جذرها اللغوي هو فعل وصي، فتقول: وصىّ بالشيء فلاناً، يعني أمره وفرضه عليه، فعندما قال الله تعالى: ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ ﴾ صدق الله العظيم [الشورى ١٣] فلذلك لأنّه تعالى بدأ بتشريع أول أمر من الدّين مُحدد ومُعين مع إرسال نوح وهو (الإيمان بالله وعدم الشرك) ولهذا أهلك الله تعالى الذين لم يؤمنوا من قومِ نوحٍ، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شُعيب، ونعتهم سبحانه بالمجرمين، لأنّهم أنكروا وجود الله تعالى وهو أساس الدين، وهي الوصية الأولى والوحيدة التي وصىّ بها تعالى نوحاً عليه السلام، لأجل ذلك قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ) صدق الله العظيم.

فدلالة فعل ( وصَّى) هي فرضُ شيء معين ومحدد، لأجل ذلك حدد الله تعالى نسبة حق الذكر من الإرث، وجعله كقاعدة، ثم بعد ذلك حدد نسب الحقوق الأـخرى، لهذا عندما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡرَبُوا۟ مَالَ ٱلۡیَتِیمِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ ﴾ صدق الله العظيم [الأنعام ١٥٢] فهنا يتكلم الله عن الأرحام بصفةٍ عامة.

فلهذا قال تعالى: (وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤ) صدق الله العظيم، ولم يقل – ما وصى- وذلك لأنّ الدين يشتمل على أكثر من وصيةٍ، وبالتالي دام تشريعه لمدةٍ مُعينة، فعندما قال تعالى: (وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦ) فهذا يعني ما شرعه تعالى لإبراهيم وموسى وعيسى، وكان عبارة عن وصايا محدّدة ومُعينة بذاتها ولا يُمكن الزيغ عنها، فعندما قال تعالى: ﴿۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ)صدق الله العظيم، لم يُحدد له الأحكام بعينها، ولكن أوحى إليه القرآن، بأحكام غير مُحددة وفيها سعة، وهذا يعني أحكام القرآن أوسع من أحكام التوارة والإنجيل.


فالله تعالى لم يُنزل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لينسخ به الكُتب السابقة، قال تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ﴾ صدق الله العظيم[آل عمران ٣] ولكن أنزله ليجعل في الدينِ سعةً حتى لا يظلّ المؤمن مُقيداً وإلى الأبد بأوامر معينة ومُحدّدة، ولهذا جعل القرآن خاتم الكُتب.
فهو عندما قال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا) صدق الله العظيم، لم يجعل ذلك الترتيب عشوائياً، وإنّما جَعله بعلمه سبحانه وتعالى، وجعل لكل كلمة دلالتها، وهذا من الطرق التي أحكم الله بها آياته.  


شارك المقالة: