جميع الشعوب التي عاشت على هذه المعمورة، تمتلك من الموروث الثقافيّ ما يميزها عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “شر البلية ما يضحك”.
فيم يضرب مثل: “شر البلية ما يضحك”؟
يمر الإنسان بأوقات غاية في الشدة، وعلى غير العادة تصيبه نوبة من الضحك، إذ إن الطبيعة الإنسانية تجعله يبتسم في بعض الأحيان رغم المعاناة والألم، ذلك أن الابتسامة هي التي تجعل الحياة تستمر، وتساعد الإنسان على تحمل الصعاب، وغالبًا ما تقع أشياء مؤذية وسيئة، غير أنها تجعل صاحبها يضحك بدلًا من أن يموت حزنًا وهمًا، ومن هنا ضُرب المثل القائل: “شر البلية ما يضحك”، أي إن الذي ابتلي به الإنسان هو ما قد يضحكه.
قصة مثل: “شر البلية ما يضحك”:
قصة مثل: “شر البلية ما يضحك”، بطللها عامل في أحد مصانع السكر، إذ يُروى أنه رجع إلى بيته في إحدى الليالي بعد أن فرّغ حمولة مقدارها مائتي طن من السكر، بعد أن أنهكه التعب، فلما وصل بيته كل ما رغب به هو الاستراحة والاسترخاء، وأكل ما يسد به جوعه، بعد أن يتناول الطعام البسيط الذي أعدته زوجته، والذي كان يخلو مما يحرك المعدة ويجذب الأنف.
جلس العامل وهو ينتظر كوبًا من الشاي الساخن، والذي سيحسن مزاجه، وبعد غياب زوجته لفترة في المطبخ جاءت وبيدها كوب الشاي ذو الرائحة النفاذة، فاعتدل الرجل في جلسته قبل أن يتناول كوبه المنشود، ومدت الزوجة يدها، وفتحت علبة السكر كي تضع لزوجها بضع حباتٍ منه كما يحب، فلم تجد به ولا حبة واحدة، فنظرت إلى زوجها في صمت ودهشة، ثم نظر الاثنان معًا إلى العلبة الفارغة، وحينها قال الرجل لزوجته في صدمة: أعمل في مصنع للسكر، واليوم أفرغت مائتي طن من السكر بيدي، وبيتي ليس به حبة واحدة منه، أليس هذا مضحك فانفجر الزوجان في الضحك على هذا الموقف، وقالا حينها: “حقًا شر البلية ما يضحك”.
هناك رواية أخرى لهذا المثل، مفادها أن المثل إنما جاء من حلبة المصارعة الرومانية، والتي كان يشعر فيها الجماهير بالمتعة أثر قتل المصارعين لبعضهم البعض بعد معركة شديدة، وأنه أثناء سقوط أحد المصارعين على الأرض وهو يحتضر، ينظر إلى الجمهور، وهم يضحكون في سعادة، فيقول: “شر البلية ما يضحك”.