شعر الأطباء في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميزت الأندلس في جميع النواحي الأدبية والعلمية والثقافية، سطع نجمها في مجال الشعر، وبرز فيها العديد من الشعراء المشهورين، وكانوا في بداية نظمهم لشعر متأثرين بالأدب المشرقي، ولكن نتيجة لتطور والازدهار الذي عم في بلاد الأندلس، استقل شعراء الأندلس في شعرهم وطوروا في الشعر، وانبثق عن شعرهم أنواع وأغراض شعرية متطورة، وبرز في الأندلس العديد من الشعراء، ومنهم الأطباء الذين قاموا بنظم أجمل القصائد في ذلك العصر، وفي هذا المقال سنتناول أشهر هؤلاء الأطباء وأشهر ما نظموا من الشعر.

أشهر شعراء الأندلس الأطباء

1- ابن زهر الأندلسي: وهو الطبيب الشاعر أبو مروان عبد الملك بن زهر الأندلسي، يُعد ابن زهر أعظم معلم في الطب، وعرف عنه أول طبيب قام بإجراء أول عملية جراحية وكانت جراحة للجهاز التنفسي، وعرف له العديد من الأبحاث العلمية عن الأطعمة والأدوية، وأنواع الكسور وغير ذلك.

عرف عن ابن زهر تمكّنه الرائع من نظم الشعر، برع في مجال الشعر كما برع في الطب، وعندما يقرأ الفرد أشعاره يعلم جيدًا أن من نظم هذه الأبيات الرائعة إنما هو شاعر متمرس بارع في نظم الشعر، ومن أبياته الرائعة:

أيها الساقي إليك المشتكى 

قد دعوناك وإن لم تسمع

ولد أبو مروان عبد الملك المعروف بابن زهر في أسرة لمعت في مجال الطب، وكذلك في مجال العلوم الطبيعية وكذلك الكيمائية، وفي العلوم الشرعية، وخلّف ابن زهر ثروة علمية عظيمة، وهذه الثروة تنم عن سعة في الاطلاع وسعة في الأفق، وكان له أثر كبير في تطور وازدهار الأندلس في مجال الطب، ومن مؤلفاته التي كتبت في مجال الطب: “التيسير في المداواة والتدبير”، وكذلك كتابه المعروف “الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد”.

وتميز ابن زهر بأنه لم يكن يأخذ آراء الآخرين على أنها مُسلّمات لا يجوز النقاش فيها أو تعديلها، إنما كانت آراءه مخالفة ويُعدل بهذه الآراء بما يراه هو صحيح، وبذلك خلص ابن زهر العلم الأندلسي من التقليد والجمود وطوره ورفع من شأنه، وقد عرف لابن زهر حفيدة تميزت في علم الطب وكانت تعمد إلى علاج النساء، وكان لها ابنه أيضًا تعالج النساء مثل أمها، وكانتا مشهورتان وكانتا تعالجان نساء أبو يعقوب المنصور.

ولمع نجم ابن زهر كذلك في مجال الأدب والشعر، وكان لشعره أثر واضح في ازدهار الأدب والشعر في الأندلس، وتحريره من التقليد الأعمى لأدب وشعر المشرق، كما تميز في مجال الموشحات وانفرد في عصره في نظم الموشح ومن أشهر موشحاته، موشحة مطلعها:

ما للموله من سكره لا يفيق

وموشحة أخرى مطلعها:

أيها الساقي إليك المشتكى

قد دعوناك وإن لم تسمع

ومن أشهر قصائده والتي يقول فيها:

يا من يذكرني بعهد أحبتي 

أهلا بزهر اللازورد ومرحبا

لله ما صنع الغرام بقلبه

إني نظرت إلى المرآة إذ جليت

مغنى خضيب وباب مرتج أبدًا

رمت كبدي أخت السماك فأقصدت

حبلة البرء صنعة لعليل

وموسدين على الأكف خدودهم

2- أبو الحكم المغربي الأندلسي: وهو الطبيب الشاعر أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن محمد الأندلسي، وقد عرف بلقب الحكيم، ترجم له العديد من الأدباء ولذلك لقب بالحكيم، وكان أبو الحكم يجمع بين الطب والشعر، وبرع في كليهما، وكان له منزلة مرموقة في دولة الأندلس.

حيث تولى أمر المشفى الذي قام ببنائه نور الدين زنكي، فكان يعالج المرضى في هذا المشفى ويحرص على راحتهم، أما في وقت فراغه فكان يجلس في الإيوان الذي خصص له في المشفى كي يدرس تلاميذه ما تعلمه في الطب، وقد كان لمرضاه الذين يشرف على علاجهم نصيب من مداعباته ومن أطرف ما جاء في ذلك:

إذا عُنيت بمحمومٍ نظمت له

بيتًا فإن زاد شيئًا عاد مفلوجًا

فقل لقوم رأوا طبي لهم فرحًا

ليهنهم إن غدا بالشعر ممزوجًا

يفرح الهمّ عن أحشاء ذي حرقٍ

مُضنى ويطعمه في الحال فرّوحًا

3- أبو القاسم خلف بن فرج الألبيري: وعرف كذلك بالسميسر، وهو من قرية إلبيرة التي تقرب مدينة غرناطة، سكن في غرناطة، وكان علاقته مع حاكم غرناطة قوية، وتميز في شعر الهجاء، وكان مشهور بشعره السهل ويعد من أشهر شعراء المعتصم، ومن شعره الذي نظمه في وصف الدنيا:

لله في الدنيا وفي أهلها

مُعميات قد فككناها

من بشر نحن فمن طبعنا

نحب فيها المال والجاها

دعني من الناس ومن قولهم

فإنما الناسك خلاها

لم تقبل الدنيا على ناسكٍ

إلا وبالرحب تلقاها

وإنما يعرض عن وصلها

من صرفت عنه مُحيّاها 

وكان لعلم الطب منزلة رفيعة عند السميسر الذي قال فيه:

كل علم ما خلا الشرع

وعلم الطب باطل

غير أن الأول الطب

على رأي الأوائل

هل تما الشرع إلا

أن يكون الجسم عامل

فإذا كان عليلًا

بطلت تلك العوامل

وفي النهاية نستنتج أن الأندلس تميزت في العديد من العلوم والثقافة والأدب، واستقل شعرائها في شعرهم وتخلصوا من قيود الشعر المشرقي نتيجة للكثير من العوامل التي ساعدتهم للتحرر، وقد برز العديد من الشعراء في هذا المجال، وكان منهم الأطباء الذين نظموا أجمل الأبيات والقصائد.


شارك المقالة: