شعر الحنين إلى الوطن في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميز شعراء الأندلس في نظم الشعر بشكل واضح وتألقوا في ذلك مستمدين ألقهم من ألق الأندلس التي أطلق عليها في تلك الفترة العصر الذهبي، ولقد وظّف الشاعر الأندلسي الشعر ليعبر عن كل ما مَرّ به من أحوال سياسية واجتماعية وثقافية، وكان الشعر الملجأ لهم في ذلك ومن هذه الأحوال حنينهم لمدينة الأندلس نتيجة غربتهم عن أوطانهم، ولقد برع وظهر نخبة مميزة في هذا، ونظموا أروع القصائد في شعر الحنين إلى الوطن، وفي هذا المقال سنتناول شعر الحنين بالشرح والتوضيح.

تعريف شعر الحنين للوطن

لم يظهر شعر الحنين إلى الوطن في بداية الأمر منفردًا في قصيده، إنما كان يتناوله الشعراء  في بعض أبيات من قصائدهم، فكانت في بداية الأمر عبارة عن خواطر تجول في البال، ولكن ونتيجة الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية وظهور الحرب، وسقوط المدن والممالك، وتسلّط وتجبّر الحكام والسلاطين وظهور النفي، ظهر شعر الحنين إلى الوطن وتطور في ذلك العصر.

وقد كان من المتعارف عن شعر الحنين إلى الأوطان بأنه شكل من أشكال الفن الشعري المتطور، ولكن شعر الحنين كفكرة فهي فكرة موجودة منذ القدم، والحنين إلى الوطن هو شعور يسيطر على الإنسان نتيجة بُعده عن وطنه سواء أكان مسافرًا أو مغتربًا أو حتى منفيًا خارج بلاده نتيجة ظلم أو استبداد أحد الحكام في ذلك العصر.

الحنين إلى الوطن في بلاد الأندلس

عُرِف الحنين إلى الوطن بأنه من أرقّ المشاعر التي تظهر على الإنسان سواء أكان فرد عادي أم شاعر، فالحنين إلى الوطن يؤثر على المشاعر، ويسيطر على القلب والأحاسيس ويبعث فيهما العواطف، ويزداد هذا التأثر عندما يكون المغترب شاعرًا، وتميز شعراء الأندلس في نظم شعر الحنين إلى وطنهم الأندلس وظهر في شعرهم مدى حنينهم وحبهم إلى وطنهم، وكان الشعر المنبثق من هذا الشعور شِعرًا مرهفًا رقيقًا عذبًا حتى يليق بهذا الحب والشوق للوطن.

ومن الشعراء الذين نظموا الشعر ليبثّوا فيه مدى شوقهم وحبهم لوطنهم الأندلس، القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي عيسى، والشاعر أبو بكر محمد بن أزرق، والشاعر ابن دراج القسطلي، وكذلك الشاعر ابن زيدون الذي نظم في وطنه وقال:

على الثَّغب الشهديّ مني تحيةُ

ذكت وعلى وادي العميق سلام

ولا زال نورٌ في الرصافة ضاحك

بأرجائها يبكي عليه غمام

معاهد لهوٍ لم تزل في ظلالها

تدار عليه للمجون مُدامُ

فإن بان مني عهدها فبلوعةٍ

يشيبُّ لها بين الضلوع ضِرامُ

تذكرت أيامي بها فتبادرت

دموع كما خان الفريد نظامُ

خصائص شعر الحنين إلى الأوطان

يختصّ ويتصف شعر الحنين إلى الأوطان وخصوصًا في العصر الأندلسي بعدة مميزات، بسبب عوامل شهدها العصر الأندلسي ومن هذه المميزات والصفات ما يلي:

2- الشوق والحنين إلى الوطن.

2- بث الأحاسيس نحو الوطن عن طريق الشعر.

3- تميز شعر الحنين إلى الوطن بأنه صادق الأحاسيس التي تدور في خاطر الشاعر المغترب.

4- اتصاف شعر الحنين إلى الوطن بسمات الحزن والشوق إلى الوطن مجتمعة.

5- التأثر الكبير بسبب فراق الأهل والأحباب والابتعاد عنه.

6- ظهور الأمنيات والحلم بالعودة إلى الوطن والشوق للأحبة والأهل.

7- يحتوي شعر الحنين إلى الوطن على صور إنسانية.

أبرز شعراء شعر الحنين في الأندلس

القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي عيسى، وقد نظم في شعر الحنين إلى الوطن نتيجة خروجه من الأندلس، وكانت عيناه تذرف الدموع على أيام شبابه وحين كان يتنقل في قرطبة آنذاك، ومن شعر الحنين الذي نظمه قوله:

ماذا أُكابد من ورقٍ مغرّدة

على قضيبٍ بذات الجزع ميّاس

رددن شجوًا شجا قلبَ الخلي فهل 

في عبرةٍ ذرفت في الحب من باس

ذكرَّنه الزمن الماضي بقرطبةٍ

بين الأحبة في أمن واناس

هم الصَّبابةُ لولا همةً شرُفت 

فصيَّرت قلبه كالجندل القاسي

أبو بكر محمد بن أزرق: والذي نظم في شعر الحنين إلى الوطن، وبكى على أيام شبابه وعهده في الاندلس، ويقول:

هل علم الطائر في أيكه

بأن قلبي للحمى طائرُ

ذكرني عهد الصِّبا شجوه

وكل صبّ للصبا ذاكر

سقى عهودًا لهم بالحمى

دمعٌ له ذكرهم ناثرُ

ابن دراج القسطلي الذي نظم في شعر الحنين وبكى على أيام شبابه في الديار، وتذكر وقت اللهو والتصابي، وما تبع فقده وبعده عن وطنه حيث قال:

فيا للشباب الغضّ أنهج بردُهُ

ويا لرياض اللهو جف سفاها

وما هي إلى الشمس حلّت بمفرقي

فأعشى عيون الغانيات سناها

وفي النهاية نستنتج أن شعراء الأندلس تألقوا في نظم شعر الحنين إلى الوطن، ولقد وظّفوه ليعبر عن كل ما مَرّ بهم من أحوال مرّوا بها بسبب ابتعادهم وتغربهم عن أوطانهم، ولقد برع نخبة مميزة في هذا الشعر، ونظموا أروع قصائد في شعر الحنين إلى الأندلس.


شارك المقالة: