شعر الزهد في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


شهد الأدب في ظل الخلافة الأموية ازدهاراً وتقدمًا ملحوظاً ويرجع سبب ذلك إلى اهتمام ولاة الأمر بالأدب والحث عليه وبذل الأموال للأدباء والشعراء تشجيعاً لهم، وتنوعت الأنواع الشعرية في هذه الفترة كما استحدثوا أنواع حديثة تواكب مجريات الحياة في هذه الفترة، ومن هذه الأغراض شعر الزهد الذي سَنتناوله في هذا المقال محاولين توضيحه وما هي سماته في هذه الفترة.

تعريف الزهد

يقصد بالزهد هو الابتعاد عن ملذات الحياة من أجل كسب الآخرة ويتولد الزهد في داخل الفرد نتيجة لعدة مواقف يمر بها الفرد في حياته، وربما تكون طبع داخلي متأصل في الإنسان والفرد الزاهد يتمتع بالرضا ويرى في أبسط الأشياء متع متعددة.

أما شعر الزهد فهو دعوة من قبل أهل الشعر للأفراد إلى ترك ملذات الدنيا الفانية طمعاً بكسب الأخرة الخالدة، ودعوة للتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة والتمسك بالأحكام الإسلامية والابتعاد عن كل شيء يغضب الله تعالى.

مظاهر شعر الزهد في الأدب

1- الحث على الاستغناء عن الحياة الفانية والابتعاد عن ملذاتها، والاجتهاد من أجل كسب الآخرة.

2- يُشجع على المثابرة في العمل الصالح والمواظبة على العبادات والالتزام بالعقائد الإسلامية.

3- الحث على التمعن بالموت والتذكير  بذلك.

4- الدعوة إلى الإقلاع عن الآثام وتطهير النفوس من المعاصي.

خصائص شعر الزهد

يعج شعر الزهد بالسمات التي توضح مقاصده والتي تساعد على فهم الدين الإسلامي بشكل صحيح مبتعدين عن ملذات الحياة، ومن أبرز هذه السمات ما يلي:

1- يغلب عليه السمة التعليمية: حيث تعج أبياته بالوعظ والنصح والشرح، وفي ذلك يقول البهلول: ” الزهد يدعو إلى ترك الحرص على الحياة الدنيا والطمع في العيش والرفاهية، وجمع الأموال فلعلك تجمعنا وتنال منيتك فلا تدري لمن جمعت كل هذا الكم، فالموت هو نهاية الحياة ولا يستطيع أي شخص الفرار منه”.

وفي هذه السِمة يكون الكلام المنظوم في الزهد مشابهاً للِكتابات النثرية كالخطبة، وتظهر هذه السمة في قصائد أبو نواس الزهدية التي تميزت بسهولة المفردات وواضحة المعنى حيث يقول:

يا رَبَّ إن عَظُمَت ذُنُوبي کَثرَةً

فلقد عَلِمتُ بِانَّ عُفوكَ أعظَمُ

2- التعلق بالقرآن الكريم من حيث الأفكار المستنبطة من القرآن، وكذلك استعمال الأنماط اللغوية التي وردت في القرآن.

3- تفرد شعر الزهد بغرض واحد في القصيدة دون التطرق إلى أغراض أخرى، فتبقى القصيدة من أولها حتى آخر بيت فيها يتناول غرض الزهد فقط.

4- اللجوء إلى الصور الفنية المتواضعة الخالية من التعقيد والغموض كي تتلاءم مع الغرض الذي قيل فيه الزهد، وفي ذات الوقت تكون هذه الصورة جديدة تجذب المستمع وتدفعه للتفاعل معها والاستمتاع بها.

5- الكلام المنظوم في الزهد له أساس عميق قديم في الجاهلية فهو غير مرتبط بالإسلام فقط وإنما ظهر عند طبقة العبيد الذين عانوا من قسوة الحياة، بسبب سوء المعاملة التي يعيشونها مما إلى الزهد في الحياة، والمخالف لذلك تماماً كان الزهد في الإسلام متعلقاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أيضاً.

6- تأثر شعر الزهد بالديانات الأخرى من خلال اختلاط المسلمين مع أصحاب هذه الديانات.

7- الحث على إهمال الحياة والنظر إلى الآخرة حباً وطمعاً.

عوامل ظهور شعر الزهد في العصر الأموي

1- الحياة الدينية: حث القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى التوجه بالزهد في هذه الحياة، وظهر ذلك واضحاً في حياة الصحابة رضوان الله عليهم؛ ويرجع سبب ذلك إلى معاصرته الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبعهم في ذلك التابعون ومشوا على خطاهم في الفترة الأموية.

2- الأوضاع السياسية: عجت الفترة الأموية بالعديد من الأمور السياسية التي ساعدت في انتشار الزهد وترك ملذات الحياة، ومن أبرز هذه الأحداث مصرع عثمان، حيث نشبت المعارك بينهم مما دفع الناس العزوف عن ملذات الحياة ويتوجهون إلى العبادة وطلب رضا الله سبحانه تعالى.

3- الحضارات القديمة: يرى العلماء أن التصرف والزهد جاء إلى العرب من الثقافات السابقة، وبسبب الفتوحات تعمق العرب في الحضارات الأخرى وتأثر بها مثل ظاهرة الزهد التي كانت في الأديان الأخرى.

مواضيع شعر الزهد في العصر الأموي

1- إهمال الدنيا الفانية وتحقيرها: ومثال على هذا ما أنشده أرطأة بين يدي عبد الملك بن مروان حيث قال:

رأيت المرء تأكله الليالي

كأكل الأرض ساقِطةُ الحديد

وما تبغي المنية حين تأتي

على نفس ابن آدم من فريد

واعلم أنها سَتكرُ حتى

توفي نذرها بأبي الوليد

ونرى الزهد واضحًا في شعر علي بن الحسين عندما تحدث عن ملذات الدنيا وأن المنكب عليها هو خسران لأنها زائلة وفي ذلك قال متأثرًا بالقرآن الكريم:

وأنت على الدنيا مُكبٌ منافسٌ

لخطابها فيها حريص مكاثرُ

على خطرٍ تمسي وتُصبح لاهبًا

أتدري بماذا لو عقلت تُخاطر

إن أمرءًا يسعى للدنيا دائبًا 

ويذهل عن أُخراه لاشك  خاسرًا

2- الاعتماد على الله في تسيير شؤون الحياة: حث الأشخاص إلى الابتعاد عن الطرق غير السليمة في جني الرزق، وعن ذلك قال بن أذينة:

لا خير في طمعٍ سيدني لمنقصةٍ

وغبرٌ من كِفاف العيش تكفيني

لا أركب الأمر تُزري بي عواقبه

ولا يعاقب به عرضي ولا ديني

كم من فقير غني النفس تعرفه 

ومن غنيٍ فقير النفس مسكين

وكذلك تطرقنا الشاعرات في الفترة الأموية إلى الزهد في أبياتهنَ، وظهر ذلك في شعر الأخيلية عندما تحدثت عن قبول القضاء والقدر حيث يقول:

فلا تُكذب بوعد الله وأرضَ به

ولا توكل على شيءٍ بإشفاق

ولا تقولن لشيء سوف أفعله

فقد قدر الله ما كل أمرئ لاقٍ

3- التذكير بيوم الساعة والآخرة: وظهر ذلك في أبيات الفرزدق الذي كان شديد الخوف من الموت وما سيحصل له ولأهله إذا لم يقبلوا على العبادات في هذه الدنيا، ويبتعدوا عن الملهيات فيها مذكرًا بما سيجري في القبر من حساب حيث يقول:

لقد خاب من أولاد دارم من مشى

إلى جاءَني يوم القيامة قائدٌ

عنيفٌ وسَواقٌ يسوق الفرزدقا

أخاف وراءَ القبر إن لم يُعافني

أشد من القبر التهابًا وأضيقها

إذا شَربوا فيها الصديد رأيتهم

بذوبون من حر الصديد تمزُّقا

4- أخذ العِبرة من الأقوام القدامى: حيث تعمق أهل الشعر في الفترة الأموية بالأمم القديمة وتناولوا آدابهم وزاد تعلقهم بالزهد وفي ذلك يقول علي بن الحسين:

أمسوا رميمًا في التراب وعُطلت

مجالسهم منهم وأخلى مقاصر 

وحلوا بدار لا تزاور بينهم

وأنى لسكان القبور التزاور

فما أن ترى قبورًا قد ثووا بها

مسطحةً تسفي عليها الأعاصرُ

أشهر شعراء الزهد في العصر الأموي

1- سابق البربري حيث عرف بالوعظ والإرشاد، ومن أشعاره في ذلك:

إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر

فكن على حذر قد ينفع الحذر

واصبر على القدر المطلوب وأرض به

وإن أتاك بما لا تشتهي القدر

فما صفي عيش لإمرئٍ عيش يسر به

إلا يتبع يومًا صفوه الكَدرُ 

2- عروة أذينة ومن أبياته في الزهد:

أرقت فما أَنامُ ولا أُنيم

وجاء بحزني الليل البهيم

وأصبح عامرٌ قد هدَّ رُكني

وفارقني به اللطفُ الحميم

3- أبو الأسود الدؤلي ومنْ أبياته يقول:

لعمري لقد أفشيت يومًا فخانني

إلى بعض من لم أخش سرًا فُمنعا

فمزقه مزق العمل وهو غافلٌ

ونادى بما أخفيت منه فأسمعا

فقلت ولم أفحش لعًا لك عاليًا

وقد يعثر الساعي إذا كان مُسرعًا

وفي النهاية نستنتج أن شعر الزهد برز في الفترة الأموية بسبب مواكبة الكلام المنظوم لمجريات الحياة في تلك الفترة، حيث كانت تعج بالأحداث مما جعل المجتمع يتوجه إلى الزهد وترك ملذات الحياة طمعًا بالأخرة.


شارك المقالة: