شعر الزهد والتقشف في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


يعتبر شعر الزهد من أنواع الشعر التي برع فيها شعراء الأندلس، وهي تحمل معاني سامية على العكس من بعض الأنواع الشعرية الأخرى، وتناول شعر الزهد الحياة الدنيا بصفتها حياة زائلة مع البُعد عن ملذاتها، ويعتبر شعر الزهد الموجه للناس لاتباع المناسك والتمسك بأداء العبادات، وفي هذا المقال توضيح لمعنى الزهد وتعريف بشعر الزهد، وخصائصه وأبرز شعراء الزهد في العصر الأندلسي.

تعريف بشعر الزهد

الزهد لغةً: هو القدر البسيط والقليل من الشيء، وزهد عن الشيء: أي أعرض عنه وتركه مخافة العقاب والحساب.

والزاهد: هو العابد، المُعرِض عن الدنيا الفانية، المتجه للآخرة الباقية.

والزهد اصطلاحًا: هو ترك المعاصي والابتعاد عنها، وترك كل ما يبعده عن الله سبحانه تعالى، والإعراض عن ملذات الدنيا جميعها، ويتضمن الزهد المعنى الروحي مجتمعًا مع المعنى الأخلاقي والفكري كذلك، فلا يمكن أن يزهد المرء عن ملذات دنياه مع ممارسته لما يغضب الله، فلا يصح معنى الزهد إلا باجتماع الفكر والروح.

الهدف من شعر الزهد والتقشف

عرف شعر الزهد وظهر واضحًا في شعر شعراء الأندلس، وكان أبي زمنين من أشهر الشعراء الذين نظموا في شعر الزهد، وأخرجه للحياة وعمل على إبرازه بين أغراض الشعر الأخرى.

وكان شعر الزهد يوضح حال الشعراء وتخبطهم في هذه الحياة، وخصوصًا عندما كانوا يتقدمون في العمر، فكان هذا سببًا لتعلقهم بالله عز وجل، وترك متاع الدنيا، والتوجه نحو نعيم الآخرة، وكانوا يدعون إلى الزهد والتقشف في أشعارهم، ودعوتهم إلى السيطرة على شهوات النفس طمعًا بكسب الجنة ونيل نعيمها.

وأصبح لشعر الزهد بُنية خاصة، وأصبح أكثر تنظيمًا، وكان يتصف بالقوة والوضوح، بسبب تعدد الطوائف والمذاهب، وتميز نخبة من شعراء الزهد في انتقاد الحياة السياسية، والاجتماعية والأخلاقية في عصرهم، وكذلك نقد الحياة الثقافية، ولقد كان شعر الزهد والتقشف وسيلة لتخلص من الظلم، واستبداد الحكام والولاة، الذين اتعبوا المجتمع جراء ظلمهم وطغيانهم، فنتج عنه شعر الزهد.

أهم خصائص شعر الزهد

امتاز شعر الزهد والتقشف في العصر الأندلسي بالعديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من أغراض الشعر الأخرى وهي ما يلي:

1- بروز الوازع الديني، الذي كان يتميز بالتشدد بشكل واضح.

2- بروز وظهور ظاهرة التضمين، والاقتباس من النصوص الدينية سواء أكان من القرآن الكريم، أو من أحاديث السنة النبوية.

3- قوة شعر الزهد لما تخلله من أدلة وبراهين، التي كانت تتوجه لترك الملذات، والالتزام بالعبادات، والتوجه إلى الله، طمعًا برضاه والجنة.

4- استخدام أسلوب الإقناع والحجة من أجل الوصول إلى أهدافه الرئيسية.

5- استخدام أسلوب الترهيب والتخويف، وكذلك أسلوب الترغيب بطريقة مباشرة.

6- سهولة اللغة شعر الزهد وبساطتها.

7- يجسد المعنى من خلال الفكرة التي يطرحها الشاعر في قصيدته، باستخدام الإبداع من خلال الصور والتشبيهات.

8- تميز شعر الزهد بكثرة استخدام المحسنات البديعية خصوصًا في الألفاظ.

9- اتجاه شعر الزهد إلى الطابع الوعظي، والدعوة إلى الندم والتحسر على ما فات من الحياة.

أسباب ظهور شعر الزهد

من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور شعر الزهد فيما يأتي:

1- الفتن والصراعات السياسية

حيث كان للفتن والنزاعات السياسية دور واضح في ظهور شعر الزهد والتقشف، خصوصًا في العصر الأندلسي الذي كثرت فيه النزاعات السياسية والثورات الداخلية.

2- التوبة إلى الله تعالى

في العصر الأندلسي تطور شعر الزهد والتقشف وانتشر بشكل كبير، وسبب ذلك يعود إلى الترف واللهو والمجون الذي شهده هذا العصر، فظهر نخبة من شعراء الأندلس متخصصين بشعر الزهد، تحدثوا عن تركهم لملذات الحياة الدنيا في أشعارهم، فازدهر شعر الزهد وأصبح يتجه في اتجاه فلسفي يعج بالحكمة.

3- مناجاة الله تعالى

تألق شعر الزهد عند العديد من الشعراء حتى وصل إلى قمته، فلقد كان همهم الأول هو إظهار حبهم لله سبحانه تعالى ومناجاته في جميع أشعارهم، وظهر شعر الغزل الإلهي، في ذلك العصر، فطوروا من هذا الغرض الشعري.

4- ازدهار الحركة العلمية

كان لازدهار الحركة العلمية في العصر الأندلسي أثر واضح في شعر الزهد، فلقد أشتد عوده وتألق في هذا العصر بسبب ازدهار الحركة العلمية، حيث كان يلجأ الكثير من الزهاد إلى اكتساب المعرفة من الكتب والتراجم، بما تحمله من حكم وآداب وفلسفات، تتفق مع العقيدة الإسلامية المتمثلة في القرآن والسنة، وترجموا هذه الأفكار إلى أبيات شعرية رائعة.

أبرز شعراء الزهد في العصر الأندلسي

الشاعر الزاهد أبو عمران المارتلي، وكان يتحدث عن الزهد بأنه ليس بالمظهر الخارجي للإنسان مثل ارتداء الثياب الرثة، وإنما يكون الزهد من وجهة نظره بالتقوى والورع، والأدب وحسن الخلق، حيث قال:

ما الزهد يا قوم – فلا تجهلوا –

بلبــس أسمالٍ وأخلاقِ
لكنه لبس ثيـــاب التـــــــــقى
في حسن آدابٍ وأخلاقِ
الشاعر الزاهد سالم بن صالح، فقد استخدم القيم الخلقية في شعره مثل التقوى وطهارة القلب والأفعال الحسنة إذ يقول:
حسن فعالك واجنح للتقى أبــــداً
وسل من الله حسن الخلْق والخلُقِ
وطهر القلب من شك ومن دنس
فآفة الثـــوب أن يطوى على خَلَقِِ
الشاعر الزاهد محمد بن مفضل، وكان يتحدث في شعر الزهد عن الفكرة الرئيسية، وكان يدعو الناس إلى القناعة حيث يقول في شعره:
أملي في الدنيا المباحة كسرة
أبقي بها على رمقي ودار نابيهْ
قد أضرب الزمان عن سكانها
فكأنها في القفـر دار خاليـــــــهْ
الشاعر الزاهد أبو اسق الإلبيري:
تحدث عن القناعة وأنها تنبثق عن إيمان ببساطة العيش بالرغم من الثراء والغنى، فهي لا تصدر عن فقر وحاجة، وكتب في صديق بعث يعاتبه بقوله: لو سكنت داراً من هذه لكانت أولى لك، فرد عليه قائلاً:
قالوا: أتستجد بيــتاً
تعجب من حسنه البيوت
فقلت: ما ذلكم صواب
حفش كثير لمن يموت
لولا شتـاء ولفح قيظ
وخوف لص وحفظ قوت
ونسوة يبتغيـن ستراً
بنيــت بنيـان عنكبــــــوت
الشاعر الزاهد أبو وهب العباسي، وقد كان يكثر من الدعوة إلى القناعة والتواضع سوء أكان تواضع في المسكن أو الملبس، وكان يدعو إلى الثقة بالله سبحانه تعالى، حيث قال:
أنا في حالتــي التي قد تـراني
أحسن الناس إن تفكرت حالا
منزلي حيث شئت من مستقر الـ
أرض أسقى من الميـاه زلالا
ليس لي كســــوة أخاف عليها
من مغيـر ولا ترى لي مالا
أجعل الساعد اليميــــن وسادي
تم انثني إذا انقلبـت الشمالا
وفي النهاية نستنتج أن شعر الزهد والتقشف ازدهر في العصر الأندلسي، وبرز فيه العديد من شعراء العصر الأندلسي فدعوا إلى ترك ملذات الحياة الدنيا الزائلة والتقرب إلى الله عز وجل لكسب رضاه والجنة.

شارك المقالة: