شعر وصف الطبيعة في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


تطور الأدب في الفترة العباسية، وكان مواكبًا لجميع التطورات التي ظهرت في تلك الفترة؛ بسبب ارتباط أهل المشرق بالبيئة منذ القدم، حيث ازداد في الفترة العباسية الأمن والأمان حيث كان الشاعر وليد البيئة يخرج ويتأمل ويُبحر في وصفها، فتناول الأطلال والجبال والصحاري وحتى الحيوانات ورسمها بأجمل اللوحات.

وصف الطبيعة في العصر العباسي

استرسل أهل الأدب في الفترة العباسية بوصف البيئة بجميع أشكالها ومكونات وتفردت به القصائد بعد أن كان غرضًا ثانويًا يذكر في أبيات قليلة من القصيدة، وعلى العكس من هذا برزت القصائد المتفردة في وصف البيئة خلال الفترة العباسية ولم يدخلوا في ثنايا قصائدهم أي مواضيع أخرى.

وأكثر أهل الشعر من وصف تضاريس البيئة حيث وصفوا المنازل الفارهة والغيوم والأنهار والنوافير والرياض والورود وتعلق العباسيين بالبيئة وهاموا في حبها، ومن أبرز هؤلاء هو الصنوبري الذي يعتبر من السباقين في هذه الفترة من شعر وصف البيئة أول من نظم في الزهريات، وكذلك البحتري الذي أبدع في هذا الغرض وابن الرومي وغيرهم الكثير.

المظاهر الطبيعية في الشعر العباسي

1- وصف الربيع: كان الربيع  من أهم أشكال البيئة عند أهل الشعر حيث أبدعوا في رسم أجمل اللوحات الشعرية فيه، وكانت البيئة في فصل الربيع تخطف القلوب وتذهب العقول وتلهب قرائح الشعراء لنظم أجمل الوصوف للبيئة في حضرته.

وعن جمال الربيع في الفترة العباسية يتحدث أحمد الهاشمي عن ذلك الجمال: “يوم سماؤه فاضية، وأرضه طاوسية، يوم جلابيب غيومه صفاق، وأردية نسيمة رقاق، يوم معصفر السماء، ممسك الهواء، معنبر الرياض مصندل الماء، يوم سماؤه الخز الأدكن، وأرضه كالديباج الأخضر، يوم تبسم عنه الربيع، وبترج فيه الروض المريع، كأن سماؤه فأتم وأرضه عرس”.

واسترسل أهل الشعر في وصف الورود والأزهار التي تنمو في الربيع مزينة الجبال والتلال ومن أبرز هؤلاء أبو تمام الذي رسم أبياته أجمل اللوحات في وصف ربيع بلاده حيث يقول:

رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ

وَغَدا الثَرى في حَليِهِ يَتَكَسَّرُ

نَزَلَت مُقَدِّمَةُ المَصيفِ حَميدَةً

وَيَدُ الشِتاءِ جَديدَةٌ لا تُكفَرُ

لَولا الَّذي غَرَسَ الشِتاءُ بِكَفِّهِ

لا في المَصيفُ هَشائِماً لا تُثمِرُ

كَم لَيلَةٍ آسى البِلادَ بِنَفسِهِ

فيها وَيَومٍ وَبلُهُ مُثعَنجِرُ

2- وصف الرياض والبساتين: ومن الشعراء الذين برزوا في وصف الرياض وتمايل الأغصان وشدو الطيور الذي يصدح في هذه الرياض هو ابن الرومي حيث يقول:

حَيَّتك عنَّا شمالٌ طاف طائفُها

بجنة فَجَّرَتْ رَوحاً ورَيْحانا

هَبَّتْ سُحَيْراً فناجى الغُصنُ صاحبَه

مُوَسوساً وتنادَى الطيرُ إعلانا

وُرْقٌ تَغَنَّى على خُضْرٍ مُهَدَّلةٍ

تَسْمو بها وتشمُّ الأرضَ أحيانا

تخالُ طائرَها نشوانَ من طربٍ

والغُصنَ مِن هَزِّهِ عِطْفَيْهِ نَشوانا

وأما البحتري المتألق في شعر الوصف يرسم بريشته أروع الوصوف حيث قال:

وَلاَ زَالَ مُخْضَرٌّ منَ الرّوْضِ يَانِع

عَلَيهِ، بمُحْمَرٍّ من النَّورِ جاسِدِ

يُذَكّرُنَا رَيّا الأحِبّةِ، كُلّمَا

تَنَفّسَ في جُنْحٍ مِنَ اللّيلِ بَارِدِ

شَقَائِقُ يَحمِلْنَ النّدَى، فكأنّهُ

دُمُوعُ التّصَابي مِنْ خُدودِ الخَرَائِدِ

وَمِنْ لُؤلُؤٍ في الأُمحُوَانِ مُنَظَّمٍ،

عَلى نُكَتٍ مُصْفَرّةٍ، كالفَرَائِدِ

وأما الأزهار والورود: تغنى الشعراء بجمال الورد في قصائدهم بشكل رائع أمثال ابن المعتز، حيث ذكر زهرة النرجس في أبياته فأنشد:

وأحسنُ ما في الوجوه العيونُ

وأشــبَه شــيــءٍ بـهـا النـرجـسُ

يــظــلّ يـُـلاحــظ وجــه النَــدي

م فــرداً وحــيـداً فـيـسـتـأنـسُ

كما وصف ابن الرومي زهرة البهار بأروع اللوحات فأنشد:

لهوتُ عن وصف الطلول الدارسَهْ

بروضِةِ عذراءَ غير عانسَهْ

جادتْ لها كل سماءٍ راجسه

رائحة بالغيث أو مُغالسه

فأصبحتْ من كل وشيٍ لابسه

خضراءَ ما فيها خَلاة يابسه

كأنما الألسنُ عنها لاحسه

ضاحكة النوار غير عابسه

ونراه يصف زهرة النيلوفر حيث يقول:

يرتاح للنَّيْلوْفر القلب الذي

لا يستفيق من الغرام وَجَهْدِهِ

والورد أصبح في الروائح عبدَه

والنرجس النِّيليُّ خادمُ عبدِهِ

يا حسنه في بركةٍ قد أصبحتْ

محشوَّة مسكاً يُشاب بندِّهِ

وكأنه فيها وقد لحظ الصِّبا

ورمى المنام بِبعْده وبصدِّهِ

وتحدث ابن المعتز عن هذا النوع من الأزهار الذي يمتلك ألوان تخطف القلوب وتسحر العقول حيث ينشد:

و بركة ٍ تزهو بنيلوفرٍ ،

ألوانهُ بالحسنِ منعوته

نهارهُ ينظرُ منْ مقلة ٍ

شاخصة ِ الأجفانِ مبهوته

كأنّما كلُّ قضيبٍ لهُ

يحملُ في أعلاهُ ياقوته

ونرى ابن الجهم يتحدث عن الورد ويقول:

لَم يَضحَكِ الوَردُ إِلّا حينَ أَعجَبَهُ

حُسنُ النَباتِ وَصَوتُ الطائِرِ الغَرِدِ

بَدا فَأَبدَت لَنا الدُنيا مَحاسِنَها

وَراحَتِ الراحُ في أَثوابِها الجُدُدِ

ما عايَنَت قُضُبُ الرَيحانِ طَلعَتَهُ

إِلّا تَبَيَّنَ فيها ذِلَّةُ الحَسَدِ

بَينَ النَديمَينِ وَالخِلَّينِ مَضجَعُهُ

وَسَيرُهُ مِن يَدٍ مَوصولَةٍ بِيَدِ

3- وصف القصور التي أضفت على البيئة جمالًا وروعةً، حيث كانت غاية في الجمال مزخرفة مليئة بالبساتين والنوافير، ومن أهم الشعراء المتحدثين في وصف البيئة ابن الجهم الذي برع في وصف قصر المتوكل حيث يقول:

وَقُبَّةُ مُلكٍ كَأَنَّ النُجو

مَ تُفضي إِلَيها بِأَسرارِها

تَخِرُّ الوُفودُ لَها سُجَّداً

إِذا ما تَجَلَّت لِأَبصارِها

إِذا لَمَعَت تَستَبينُ العُيو

نُ فيها مَنابِتَ أَشفارِها

وَإِن أوقِدَت نارُها بِالعِرا

قِ ضاءَ الحِجازَ سَنا نارِها

ومن وصف البِرك في منازل الخلفاء نظم البحتري:

يامَن رَأى البِركَةَ الحَسناءَ رُؤيَتَها

وَالآنِساتِ إِذا لاحَت مَغانيها

بِحَسبِها أَنَّها مِن فَضلِ رُتبَتِها

تُعَدُّ واحِدَةً وَالبَحرُ ثانيها

ما بالُ دِجلَةَ كَالغَيرى تُنافِسُها

في الحُسنِ طَوراً وَأَطواراً تُباهيها

أَما رَأَت كالِئَ الإِسلامِ يَكلَءُها

مِن أَن تُعابَ وَباني المَجدِ يَبنيها

4- وصف الثلجيات والأمطار حيث تغنى الشعراء في هذه الفترة بالعناصر المائية في طبيعتهم ومنها الثلوج التي تسقط في بلادهم، أمثال الصنوبري حيث يقول:

أذهِبْ كؤوسكَ يا غلا

مُ فإنَّ ذا يومٌ مُفضَّضْ

والجوُّ يجلو في البَيا

ضِ في حُليِّ الدرِّ يُعْرَض

أظَنَنْتَ ذا ثلجاً وذا

وردٌ من الأغصان يُنْفض

وَرْدُ الربيعِ مُلَوَّنٌ

والوردُ في كانونَ أَبيض

كما تناول في أبياته وصف يوم عاصف تتساقط فيه الأمطار وصوت الرعد يدوي حيث يقول:

والرعد يخطب من خلال

الغيم والبرد النثار

وفي وصف المطر يتحدث ابن الرومي عن المطر الذي تساقط على مجلسٍ له مع أصدقائه حيث يقول:

رياض دنا الربيع لها

فحاك أبرادها ونشّرها

5- وصف الحيوان في البيئة العباسية فنرى أبو تمام يبدع في وصف الفرس وهي تعدو حيث ينشد:

حلتان يبسط إن ردى أو إن عدا

في الأرض باعًا منه ليس بضيق

ونرى ابن المعتز يصف من الطيور الديك حيث ينشد:

قَد نَعا الديكُ الظَلاما

فَاِسقِني الراحَ المُداما

قَهوَةٌ بِنتُ دِنانٍ

عُتِقَت خَمسينَ عاما

خِلتُها في البَيتِ جُنداً

صَفَّقوا حَولي قِياما

كما وصفه البحتري قائلاً ما يلي:

وَلَم نَفتَرِق حَتّى ثَنى الديكُ هاتِفاً

وَقامَ المُنادي بِالصَلاةِ يُنادي

أَبا مُسلِمٍ إِلقَ السَلامَ مُضاعَفاً

وَرُح سالِمَ القُطرَينِ إِنِّيَ غادِ

سَأَشكُرُ نُعماكَ المُرَفرِفَ ظِلُّها

عَلَيَّ وَهَل أَنسى رَبيعَ بِلادي

وَفَيضَ عَطايا ما تَأَمَّلَ ناظِرٌ

إِلَيهِنَّ إِلّا قالَ فَيضُ غَوادِ

وَكَم جاءَتِ الأَيامُ رَسلاً تَقودُني

إِلى نائِلٍ مِن راحَتَيكَ مُعادِ

خصائص شعر وصف الطبيعة في العصر العباسي

1- التفرد والاستقلالية في الموضوع، حيث استقل وصف الطبيعة في قصائد الشعراء في هذه الفترة وكان له قصائده الخاصة التي لا يقاسمه فيها موضوع آخر.

2- رقة المفردات وسهولتها، حيث عبر الشعراء عن روعة البيئة بمفردات سهلة معبرة مليئة بالصور الرائعة.

3- التنوع باستخدام البديعيّات فكان أشعارهم في وصف البيئة تعج بأنواع البديع التي أضفت على الموضوع بهاءً فوق بهاء.

4- التوسع في استعمال العبارات اللفظية كي تشمل وصف جميع تضاريس البيئة التي يتواجدون فيها.

وفي النهاية المقال نستنتج أن تطور الأدب في الفترة العباسية كان مواكبًا لجميع التطورات التي ظهرت في تلك الفترة، وبسبب ارتباط أهل المشرق بالبيئة أبدع الشعراء في وصف البيئة وتضاريسها، حيث تأثروا بروعتها وكانت ملهمة لهم في قصائدهم أمثال البحتري، وابن المعتز وغيرهم الكثير. 


شارك المقالة: