صدى الغزو الصليبي في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميز الأدب في العصر الأندلسي بطابع خاص فكان له أثر في نفس المتلقي، عاش الأدب في الأندلس بالعديد من التجارب والأحداث، وخاض العديد من المعارك والحروب التي عاشها أهل الأندلس، وكانت سبب إلى تطور الشعر آنذاك ليستطيع مواكبة هذه الحروب، ونتيجة لهذا ظهرت أغراض جديدة في شعر أهل الأندلس، وفي هذا المقال سنتناول صدى وأثر الحروب الصليبية في الشعر الأندلسي.

الحروب الصليبية وأثرها في الأندلس

توالت الأحداث وكثرت الحروب والنزاعات وخاض أهل الأندلس العديد من الحروب محاولين الدفاع عن بلادهم والمحافظة عليها، ولكن تشتد الحروب وتبدأ مدن الأندلس بالسقوط عقب المعارك الطاحنة التي جرت بين المسلمين في الأندلس وعدوهم الصليبي الغاصب.

وإذا رجعنا إلى بدايات التواجد العربي الإسلامي في الأندلس وانتهاء الخلافة الأموية، بدأت دول ملوك الطوائف بالنهوض والظهور، وسقطت هذه الدول في يد يوسف بن تاشفين وصد زعيم المرابطين في المغرب العربي، ومن هنا بدأ سقوط مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى في يد النصارى وأصبح ذلك يشكل خطرًا على المدن الإسلامية، وعلى الإسلام فيها.

وبعد سقوط مدن الأندلس في يد النصارى أصبح ملوك الطوائف يشعرون بالخطر على مدنهم الإسلامية وعلى عقيدتهم، فطلبوا العون من إخوانهم المرابطين؛ لأنهم متشابهين معهم بالدين والعقيدة، واستجاب المرابطين كعادتهم وهبوا لنصرة الأندلس وأهل الأندلس، ووقعت حرب الزلاقة وهي من المعارك المشهورة التي مرت على أرض الأندلس.

بعد حرب الزلاقة طمع المرابطين بالأندلس وسيطروا عليها، وطمعوا بحياة ملوك الطوائف التي كانوا يعيشون برفاهية وحياة ترف، فاستولوا على العديد من القواعد الأندلسية وحكموا بلاد الأندلس بعدها زهاء نصف قرن، ولكن بعد موت زعيم المرابطين تولى ابنه السلطة وساعد على انتشار الفرقة والانحلال مع حلفائه، وعاد العدو بذلك إلى إجلاء المرابطين من الأندلس، وحل مكانهم الموحدين.

وأسس بعد ذلك حزب الموحدين بقيادة محمد بن تومرت وعرف عنه التقوى والإصلاح وكان مولعًا بحب العلم والعلماء، وهو أحد تلاميذ الغزالي، وكان يمشي في طريق أطلق عليها اسم التوحيد كان يدعو إلى الرجوع إلى السنة النبوية الشريفة لمقاومة الحكام الفاسدين، وانقاد إليه العديد من الأشخاص الذين عرفوا باسم الموحدين وبذلك قامت دولة الموحدين في الأندلس على ما بقي من دولة المرابطين.

الحروب وأثرها في الشعر الأندلسي

عاش الشاعر الأندلسي جميع الحروب والمعارك التي جرت على أرض الأندلس، وبما أن الشاعر يتأثر بجميع الأحداث التي تجري حوله فقد دفعته كل هذه الحروب والويلات وسقوط المدن إلى نظم شعر خاص بالحروب، سمي آنذاك شعر الجهاد، وتوجه شعراء الأندلس إلى الاستصراخ ونظم شعر الاستغاثة، طالبين العون والنصرة من إخوانهم وحلفائهم، وكذلك رثوا مدنهم الأندلسية بعد سقوطها أجمل الأشعار.

بعد قيام دولة الموحدين على أنقاض دولة المرابطين، أحرزت الجيوش الإسلامية العديد من الانتصارات العظيمة لم يلبث المسلمون فترة قصيرة حتى حصلت موقعة العقاب، التي انهزموا فيها وكانت هذه المعركة هي بداية النهاية عند المسلمين، وانتهاء وجودهم على أرض الأندلس، ولقد أثر ذلك في نفوس العديد من الشعراء الأندلسيين، وهذا أبو إسحاق الإشبيلي يصف ذلك ويقول:

وقائلةِ أراك تطيل فكرًا

كأنك قد وقفت لدى الحساب

فقلت لها أُفكر في عقاب

غدا سببًا لمعركة العقاب

فما في أرض أندلسٍ مقامٌ

وقد دخل البلا من كل باب

وفي الأبيات السابقة يظهر التشاؤم وفقدان الأمل واضح من خلال الألفاظ التي استخدمها الشاعر في نظم أبياته، ويقول وكأن بلاد الأندلس في الفترة بعد هذه المعركة أصبحت أرض للتشاؤم ويجب على سكانها الرحيل وتركها، وهنا في هذه الأبيات تظهر وتعكس الروح الانهزامية عند الشاعر.

وعند سقوط المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى في يد الأعداء أثر ذلك في نفوس الشعراء وجعلهم يستحدثون شعرًا جديدًا يرثون به مدنهم التي سقطت، وبذلك ظهر شعر رثاء المدن والممالك وبرز فيه العديد من شعراء الأندلس، مثل ابن سهل الإشبيلي الذي رثا مدينة إشبيلية بعد سقوطها بيد النصارى وما حل بالمسلمين من ظلم واضطهاد فيها فيقول:

الكفر ممتد المطامع والهدى

متمسك بذئاب عيش أغبر!

كم نكروا من معَّلمٍ، كم دمروا؟

من معشر، كم غيروا من مَعشر!

كم بطلوا سنن النبي وعطلوا

من حلية التوحيد صهوة منبر

عندما تفاقمت المعارك وزادت الأحداث وعمَّ الظلم والاضطهاد الذي ازداد على المسلمين في الأندلس، وتفاقمت أهوال الحصار والظلم وتوجه شعراء الأندلس إلى نظم قصائد الاستصراخ يستنجدون بها بإخوانهم وحلفائهم لتخليصهم من هذا الاضطهاد، وهذا الشاعر ابن سهل الإشبيلي ينظم في شعر الاستصراخ قصيدته التي يستصرخ بها أهل العروبة على نصرة إخوانهم ويقول:

نادى الجهاد بكم بنصر مضمر

يبدو لكم بين القنا والضَّمَر

يا معشر العُرب الذين توارثوا

شيم الحمية كابرًا عن أكبر

أنتم أحقُّ بنصر دين نبيكم

وبكم تمهَّد في قديم الأعصر

وقول مالك المرحل في قصيدة مؤثرة صُبغ صداها في القلوب والعقول فيقول مستنجدًا:

نادتك بكم أندلس ناشرةً

برحم الدين ونِعم الرحم

فاسترحمتكم فارحمها إنه

لا يرحم الرحمن من لا يَرحم

ما هي إلا قطعةٌ من أرضكم

وأهلها منكم وأنتم منهم

ويظهر في الأبيات السابقة أن الشاعر استخدم أسلوب النداء مع الاستعطاف وشبه الأندلس بالغريق الذي يطلب الرحمة للخلاص، واشتهرت العديد من القصائد المعبرة التي نظمت عند سقوط العديد من المدن الأندلسية، وتنبئ بسقوط المزيد من المدن الأندلسية أبي البقاء الرندي وحيث قال في نونيته:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغرك بطبيب العيش إنسان

فجائع الدهر أنواع منوعة

وللزمان مسرات وأحزان

دهى الجزيرة أمرٌ لا عزاء له

هوى له أحدٌ وانهر ثهلان

وهذا ابن الآبار القضاعي يتناول في قصيدته مدى الأحزان والمآسي التي حلَّت بالأندلسيين وخصوصاً عندما قامت الروم بتقسيم بلادهم، ويتحدث عن مدى المصيبة العظيمة التي حلَّت بهم والتي لا صبر عليها ويقول:

يا للجزيرة أضحى أهلها جَزُرًا

للحادثات وأمسى جدُها تعسا

تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم

إلا عقائلها الحجوبة الأُنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة

ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا

وفي النهاية نستنتج أن العصر الأندلسي مرَّ بالعديد من الحروب والمعارك وعاش التفكك السياسي والعسكري والاقتصادي جراء هذه الحروب، وقد كان للأدب الأندلسي أثر واضح وكبير في تصوير هذه الحروب والأحداث، لجأ شعراء الأندلس إلى نظم أشعارهم التي تدعو إلى استنهاض همم المسلمين، وتحثهم على الجهاد، وتحرير أراضيهم.


شارك المقالة: