يزخر التراث العربي بالحكم والمواعظ والأمثال، وقد تكون هذه الأمثال وردت في بيت من الشعر، أو هي جاءت على هيئة نصيحة وحكمة فجرت على الألسن وتناقلها النّاس، وعلى الأغلب كانت الأمثال وليدة مواقف وأحداث مختلفة، ومثلنا اليوم: “صغراهنّ شُرّاهنّ”، وهو مثل قديم، له حكاية ضمّتها صفحات أمّهات الكتب المختصة بالأمثال.
أصل مثل: “صغراهنّ شُرّاهنّ”
مثل: “صغراهنّ شُرّاهنّ”، هو من الأمثال العربية القديمة التي وردت بأكثر من صيغة، إذ قالوا: “صغراها شُرّاها، ورُوي كذلك مرّاها، وأوّل من قال ذلك امرأة كانت في زمن عاد، وكان لها زوج يقال له: الشّجيّ، وخليل يقال له: الخليّ، فنزل لقمان بهم، فرأى هذه المرأة ذات يوم تبتعد عن بيوت الحي، فارتاب لقمان بأمرها فتبعها، فرأى رجلًا عرض لها ومضيا جميعًا وقضيا حاجتهما، فكرت المرأة وقالت للرجل: سأتماوت، فإذا ما وضعوني في رحمي، فأتاني في الليل فأخرجني، ثم نذهب إلى مكان لا يعرفنا أهله، ما إن سمع لقمان ذلك حتّى قال: “ويل للشّجيّ من الخليّ”، فأُرسلت مقولته مثلًا.
قصّة مثل: “صغراهنّ شُرّاهنّ”
عادت المرأة إلى الحيّ وفعلت ما قالت، فما كان من الرجل إلّا أن أخرجها، وانطلق بها أيّامًا إلى مكان آخر، ثمّ إنّها آبت إلى الحيّ بعد مدّة، فبينما هي ذات يوم قاعدة مرّت بها بناتها، فنظرت إليها الكبرى، فقالت: أمي والله، وقالت الوسطى: صدقت والله، قالت المرأة: كذبتما ما أنا لكما بأم ّ، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى: أما تعرفان محيّاها، وتعلّقت بها وصرخت، فقالت الأم حين رأت ذلك: صغراهنّ شُرّاهنّ، فذهبت مقولتها مثلًا.
بعد صراخ الابنة الصّغرى، اجتمع الناس على المرأة فعرفوها، فتوجّهوا إلى لقمان بن عاد، وطلبوا إليه أن يقضي بينهم، فما إن نظر لقمان إلى المرأة حتّى عرفها، فقال: “عند جهينة الخبر اليقين”، يعني نفسه وما رأى منها، فأخبر لقمان الزّوج بما علم، ثمّ إنّه أقبل على المرأة فقصّ عليها ما عرف من حيلتها من التّظاهر بالموت، وذهابها مع صاحبها بعيدًا عن بيتها وزوجها، فلمّا رأت أنّه أتاها بما لا تستطيع إنكاره، قالت: “ما كان هذا في حسابي”، فسارت مقولتها هذه مثلًا كذلك، ثمّ إنّ لقمان حكم برجم المرأة كما رجمت نفسها في حياتها، فرُجمت، كما أنّه حكم بين الشّجي والخليّ، إذ إنّه فرّق بينه وبين أهله.