صورة المجتمع في العصر العباسي في شعر أبو نواس

اقرأ في هذا المقال


إن الأدب لا تتوقف مزاياه على الصفات الأخلاقية فقط بل يتعدى إلى الأخبار وحياكة المفردات والدقة في التعبير عن كل ما مرَّ به الأشخاص في جميع أوقات حياتهم، لذلك أخذت مقطوعات أبو نواس قيمة أدبية كبيرة لما تتضمنه من صور للمجتمع الذي ترعرع فيه حيث تفرد بالصفات المختلفة والمتباينة، وفي هذا المقال سنتناول هيئة المجتمع من خلال أدب أبو نواس.

نبذة عن حياة الشاعر أبو نواس

يعتبر من أبرز أدباء عصره والدته فارسية الأصل وأبيه دمشقي فارق والده الحياة وهو طفل صغير وقامت أمه على رعايته والاهتمام به، وقيل أنها بعثته عند عطار ليعمَل عنده فقام العطار على تربيته ويرسله إلى مجالس الأدب ويحثه على حفظ كتاب الله.

نمت لدى أبو نواس حب الاطلاع والمعرفة مما مكنه من الإلمام بجميع العلوم والآداب وتنوعت مواضيعه التي تناولها في مقطوعاته من مدح أو غزل وغيره، كما عرف بكثرة وصفه وخصوصًا في ذكر الخمر، تميز أدبه بسهولة المفردات ووضوح العبارات وقوة التراكيب وقيل أنه توفي في مدينة بغداد ودفن فيها.

الحياة الاجتماعية في شعر أبو نواس

نعني بالحالة الاجتماعية أي التحدث عن فئات المجتمع في الدولة من حيث ديانتهم وجنسهم الروابط المشتركة بينهم، وكذلك وصف مجالس الحكام والحفلات والتطرق للتكلم عن أماكن اللهو وأيضًا وصف الطعام واللباس وغيره من مظاهر مختلفة.

وأهل المشرق في الزمن العباسي يتكونوا من العرب فقط وبعد الفتوحات والانفتاح دخل البلاد العجم من الفرس الذين ساهموا في نهضة الدولة، وكذلك المغاربة والعديد من الشعوب وكان العرب ينقسمون إلى الشيعة والسنة الذي دار بينهم صراع طويل، وكان منهم أهل الذمة.

لقد خالف أبو نواس الأدباء الذين وقفوا بالدمن بسبب نظرته ودعوته لتجديد ورفض التقليد في الأساليب الأدبية المتبعة، ويقول في ذلك:

عاجَ الشَقِيُّ عَلى دارٍ يُسائِلُها

وَعُدتُ أَسأَلُ عَن خَمّارَةِ البَلَدِ

لا يُرقِئُ اللَهُ عَينَي مَن بَكى حَجَراً

وَلا شَفى وَجدَ مَن يَصبو إِلى وَتَدِ

قالوا ذَكَرتَ دِيارَ الحَيِّ مِن أَسَدٍ

لا دَرَّ دَرُّكَ قُل لي مَن بَنو أَسَدِ

الصورة المستمدة من خمريات أبو نواس

تعلق العرب بالخمر منذ القدم وكانوا يتهافتون عليها دون حياء أو حرج ويذكُرونها في مقطوعاتِهم وانتشرت هذه الظاهرة في الفترة العباسية، أبو نواس من المدمنين على الخمر وزيارة الحانات غارقًا في حياة اللهو وتوجه للتغني بها وذكر مجالسها ويردد:

تلك لذاتي وكنت فتى

لم أقل من لذة حسبي

طربت إلى الغنج والمزهر

شرب المدامة بالأكبر

وألقيت عنه ثياب الهدى

وخفت بحورا من المنكر

الصورة المستمدة من الغزل والنسيب في شعر أبو نواس

إذا تتبعنا الغزل في ذاك الوقت يتضح لنا انتشاره في المجتمع الذي تعلق بالمرأة والجمال وفُتنوا بمحاسنها وخصوصًا بعد الانفتاح والاختلاط بالعجم واستقدام الجواري الحسان، ونرى أن أبو نواس تعلق بالقيّنة جنان لكنها أعرضت عنه ولم تتجاوب معه فتوجه إلى ذكر القينات عجت بهن الحانات والمجالس ويقول فيهن:

تسقيك من يدها خمرا ومن فمها

خمرا فما لك من سكرين من بد

لي نشوتان وللنّدامان واحدة

شيء خصصت به من بينهم وحدي

الصورة المستمدة من شعر المجون في شعر أبو نواس

عج المجتمع العباسي بالزنادقة وأشكال متعددة من الديانات فنكبَّ الكثيرون إلى ارتكاب الآثام متحررين من المبادئ والأخلاق وخصوصًا بعد انتشار تجارة القيان اللواتي تميزنَّ بدهائهنَّ وقدرتهن على التحايل وسلب أفئدة الرجال.

انغمس العديد من أدباء ذلك المجتمع في هذه الحياة بالملذات وانحرفوا عن تعاليم الدين أمثال دعبل الخزاعي وأبو نواس ومن خلال مقطوعات المجون يتضح للمتلقي أشكال الفجور ويصف أبو نواس قائلاً:

فإن اردتم فتاة

اتيتكم بفتاة

وان اردتم غلاما

صادفتني مراتي

فثاوره مجونا

في وقت كل صلاة

صورة الزندقة في شعر أبو نواس

اتهم العلماء أبو نواس بالزندقة التي انتشرت في البلاد نتيجة الاختلاط بالعجم وتعدد الديانات آنذاك، ومن هؤلاء العلماء محمد بن جابر الذي اتهمه بذلك من خلال قوله:

أنا لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادمًا لأبيه

من الأبيات التي كشفت زندقة أبو نواس قوله:

وأيسر ما أبثك أن قلبي

بتصديق القيامة غير صاف

الصورة المستمدة من الزهد في شعر أبو نواس

لم يكن المجتمع في ذاك الوقت منحلاً وفاسدًا بشكل عام فقد ظهر الزهد والتصوف بين العديد من فئات المجتمع وكانت المساجد عامرة بأهلها وحلقات العلم تعج بطلاب العلم، ونرى أن أبو نواس قد استيقظ وتنبه أنه غرق بحياة اللهو فنراه يتوجه إلى الزهد والتوبة وينشد:

أيا رب وجه في التراب عتيق ويا

رب حسن في التراب رقيق

ويا رب حرّم في التراب ونجده

ويا رب رأى في التراب وثيق

وما الحي إلا هالك وابن هالك

وذو نسب في الهالكين عريق

ونراه يتوجه في مقطوعاته إلى وعظ مجتمعه وخصوصًا تلك الفئة التي غرقت في الذنوب والمعاصي ويقول:

أَفنَيتَ عُمرَكَ وَالذُنوبُ تَزيدُ

وَالكاتِبُ المَحصي عَلَيكَ شَهيدُ

كَم قُلتَ لَستُ بِعائِدٍ في سَوأَةٍ

وَنَذَرتَ فيها ثُمَّ صِرتَ تَعودُ

حَتّى مَتى لا تَرعَوي عَن لَذَّةٍ

وَحِسابُها يَومَ الحِسابِ شَديدُ

وفي النهاية نستنتج إن أبو نواس تناول في مقطوعاته هيئة المجتمع من خلال أبيات الزهد ووصف الخمر ومقطوعات الغزل وغيرها، ونراه يتكلم عن الزندقة والمجون والحالة الاجتماعية في ذاك الوقت وظهر هذا من خلال أبياته.


شارك المقالة: