الأمم التي تعيش على وجه البسيطة لها موروثًا ثقافيًّا يخصها ويجعلها تتفرد به عن غيرها، والذي بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “ضرب أخماس بأسداس”.
فيم يضرب مثل “ضرب أخماس بأسداس”؟
يُعتبر مثل ” ضرب أخماس بأسداس” أحد أروع الأمثال الشعبية التي ضُربت عن المكر والحيلة وعدم فهم مجرى الأمور، وهو مثل قديم، وقد كان يُضرب في الجاهلية حينما يقول الرجل قولًا ويريد غيره، وقد أصبح الآن يقال حين يقع أمرًا ولا يفهم أصحابه سببًا لوقوعه، فيُضرب كناية عن التعجب أو عدم الفهم والمعرفة أيضًا، والأخماس هي رعي الإبل وإيرادها لمدة خمسة أيام، أما الأسداس فيقصد بها رعيها وإيرادها ستة أيام.
قصة مثل “ضرب أخماس بأسداس”:
أما قصة مثل “ضرب أخماسًا بأسداس”، فهي أن رجلًا كان له إبل يرعاها مع وأولاده، وقد طال بهم الرعي واشتاق الأولاده لأهليهم، حينها عرض عليهم أن يرعوا الإبل أربعة أيام، فرعوها في الطريق المؤدي إلى أهليهم، وما إن فرغوا من الرعي حتى عادوا إليه وطلبوا إليه أن يرعوها لمدة خمس أيام، فوافق على قولهم وقال ارعوها خمسًا، فزادوا يومًا باتجاه أهلهم، ولما أتموا اليوم الخامس وعادوا، قالوا له: لو رعيناها ستًا، ويقصدوا بذلك لو أداموا الرعي ستة أيام؛ لكي يقتربوا من أهلهم أكثر ويرونهم.
غير أن الأب تنبه لما يريد أبناؤه، وقال لهم: والله، “ما أنتم إلا ضرب أخماس في أسداس”، ما همكم رعيكم إنما كل ما همكم أهلكم، ومن ذ ذلك الحين ضُرب هذا المثل في المكر والحيلة، وعنه قال الشاعر: “إذا أراد امرؤ مكرًا جنى عللًا وظل يضرب أخماسًا لأسداس”، وقال أيضًا:
“الله يعلم لولا أنني فرق من الأمير لعاتبت ابن نبراس
في موعد قاله لي ثم اخلفني غدا غدا ضرب أخماس لأسداس
حتى إذا نحن ألجانا مواعده إلى الطبيعة في حفز وإبساس
أجلت مخيلته عن لا فقلت له لو ما بدأت بها ما كان من باس
وليس يرجع في لا بعدما سلفت منه نعم طائعا حر من الناس”.