طاسة ضايعة

اقرأ في هذا المقال


كل الأمم التي  عانقت الحياة على أطراف الأرض، تمتلك ميراثها الثقافيّ الذي يخصها، والذي يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “طاسة ضايعة”.

فيم يضرب مثل: “طاسة ضايعة”؟

يُعتبر مثل: “طاسة ضايعة” من الأمثال الشعبية المشهورة في البلدان العربية، إذ كثيرًا ما نسمع الناس يرددونه، ولعل أغلبنا يعرف أن هذا المثل يُضرب حين تعم الفوضى، وتنتشر، وكذلك حين لا تُحدّد المسؤوليات والمهام.

قصة مثل: “طاسة ضايعة”:

يعود أصل مثل إلى زمن قديم، إلا أنه لا يبتعد عن هذا الزمان كثيرًا، إذ إن الحمامات العامة قد انتشرت في الشام، ومن المعروف أن من أدوات الحمام: جرن، وطاسة الحمام، وفي بعض حمامات السوق كان يوجد كراسي خشبية، تدعى كراسي الحمام، يجلس عليها المستحمون بجانب الأجران، وفي أيديهم طاسات المياه لخلط الماء الساخن بالماء البارد، وهي غالبًا ما تُخصص لكبار السن أو الأطفال؛ وذلك لأن المستحمين في حمامات السوق في العادة يجلسون على الأرض.

أما عن حكاية مثل: “طاسة ضايعة”، إذ حدث ذات مرة، لما كان دور الحمام للرجال ليلًا، وكان الحمام مليئًا بالرجال المستحمين، وكان هناك مدلكان للمستحمين يساعدهما في ذلك بعض الصبية، وكان كل مدلك يقوم بتدليك مجموعة من الرجال ضمن حصته في العمل، فجأة ضاعت طاسة الحمام بين المدلكين والمستحمين، وبات العثور عليها أمرًا مستحيلًا؛ وذلك لضعف الرؤيا بسبب البخار الكثيف الموجود في الحمام، فتوقف سكب الماء، وساد الهرج والمرج، وعمت الفوضى والصراخ في الحمام، وعند ذاك، صرخ أحدهم: “شو صار ياشباب؟”، فأجابه أخر: “ضاعت الطاسة ياخال”، تمامًا كما لو انقطعت المياه عن الحمام، وعلى أجساد المستحمين ورؤوسهم وعيونهم مليئة بالصابون وليس من ماء لشطفها، والتي مُثلت بالمثل الشعبي الشامي: “حمام مقطوعة ميتو”.

المهم أن المشهد بقي في الحمام نتيجة فقدان الطاسة، كما هو فوضى عارمة وضجيج وصراخ وشتائم، رجال شبه عراة في الحمام إلا من مئزر، وما زالت أجسادهم بحاجة إلى تنظيف، بانتظار عودة أحد المدلكين، والذي ذهب ليبتاع طاسة أخرى، غير أن الوقت كان ليلًا، ولا يوجد دكاكين مفتوحة، وهكذا ذهبت مثلاً: فمثل “الطاسة ضايعة”، كمثل “حمام مقطوعة ميتو”.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000


شارك المقالة: