عمل الفيلسوف راسل في الفلسفة التحليلية

اقرأ في هذا المقال


بنفس الطريقة التي استخدم بها برتراند راسلالمنطق في محاولة لتوضيح القضايا في أسس الرياضيات، استخدم أيضًا المنطق في محاولة لتوضيح القضايا في الفلسفة، وبصفته أحد مؤسسي الفلسفة التحليلية قدم راسل مساهمات كبيرة في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة والأخلاق والنظرية السياسية، كما كان لتطوراته في المنطق والميتافيزيقا تأثير كبير على رودولف كارناب ودائرة فيينا.

الفلسفة اللغوية لدى راسل:

وفقًا لراسل فإنّ مهمة الفيلسوف هي اكتشاف لغة مثالية منطقيًا، أي لغة قادرة على وصف العالم بطريقة لا تضللنا بسبب البنية السطحية العرضية وغير الدقيقة للغة الطبيعية، وكما كتب راسل: “اللغة العادية غير مناسبة تمامًا للتعبير عما تؤكده الفيزياء حقًا، لأنّ كلمات الحياة اليومية ليست مجردة بشكل كافٍ، ويمكن للرياضيات والمنطق الرياضي فقط أن يقولا أقل ما يمكن أن يقوله الفيزيائي”.

تمامًا كما تتحد الحقائق الذرية (ارتباط الخصائص والعلاقات مع الأفراد) لتشكيل حقائق جزيئية في العالم نفسه، فإنّ مثل هذه اللغة ستسمح بوصف مثل هذه المجموعات باستخدام روابط منطقية مثل (و – أو) بالإضافة إلى وجود الحقائق الذرية والجزيئية، حيث رأى راسل أيضًا أنّ الحقائق العامة (الحقائق حول كل شيء ما) ضرورية لإكمال صورتنا للعالم، ومن المعروف أنّه تذبذب بشأن ما إذا كانت الحقائق السلبية مطلوبة أيضًا.

السبب في اعتقاد راسل أنّ العديد من العبارات المقبولة عادة مفتوحة للشك هو أنّها تشير إلى كيانات قد تكون معروفة فقط من خلال الاستدلال، وبالتالي فإنّ مشاريع راسل المختلفة لم تكن فقط استخدامه للتحليل المنطقي، ولكن أيضًا هدفه الطويل الأمد لاكتشاف ما إذا كانت المعرفة ممكنة وإلى أي مدى.

النظرية المنطقية لدى راسل:

كتب راسل في عام 1911:

“هناك سؤال واحد عظيم، وهو هل يستطيع البشر معرفة أي شيء؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا وكيف؟ هذا السؤال هو في الحقيقة أكثر الأسئلة فلسفية جوهريًا”.

كان الدافع وراء هذا السؤال هو المشكلة التقليدية للعالم الخارجي، حيث إذا كانت معرفتنا بالعالم الخارجي تأتي من خلال استدلالات لأفضل تفسير، وإذا كانت هذه الاستدلالات دائمًا غير معصومة، فما الضمان الذي نتمتع به بصحة معتقداتنا؟

كان رد راسل على هذا السؤال ميتافيزيقي جزئيًا ومعرفيًا جزئيًا، وعلى الجانب الميتافيزيقي طور راسل نظريته الشهيرة عن الذرية المنطقية والتي يقال إنّ العالم يتكون فيها من مجموعة من الذرات المنطقية مثل: “بقع صغيرة من اللون”وخصائصها وعلاقاتها.

كانت النظرية حاسمة للتأثير على نظرية فيتجنشتاين التي تحمل الاسم نفسه، وتشكل هذه الذرات وخصائصها معًا الحقائق التي تتحد بدورها لتشكل أشياء معقدة منطقيًا، وما نعتبره عادةً كيانات مستنتجة (على سبيل المثال أشياء مادية دائمة) يُفهم بعد ذلك على أنّه بنى منطقية تتشكل من كيانات الإحساس المعطاة فورًا أي الحساسية.

على الجانب المعرفي يجادل راسل بأنّه من المهم أيضًا إظهار كيف يمكن اختزال كل كيان مشكوك فيه أو تحديده من حيث كيان آخر (أو كيانات) يكون وجوده أكثر تأكيدًا، فعلى سبيل المثال وفقًا لوجهة النظر هذه يمكن بدلاً من ذلك تعريف كائن مادي عادي قد يُعتقد عادةً أنّه لا يُعرف إلّا من خلال الاستدلال.

“كسلسلة معينة من المظاهر مرتبطة ببعضها البعض عن طريق الاستمرارية وبقوانين سببية معينة، وبشكل عام سيتم تعريف (الشيء) على أنّه سلسلة معينة من الجوانب، أي تلك التي يمكن أن يقال عنها عادة أنّها من الشيء، وإنّ القول بأنّ جانبًا معينًا هو جانب من جوانب شيء معين سيعني فقط أنّه أحد الجوانب التي يتم أخذها على نحو متسلسل”.

يقول راسل إن سبب قدرتنا على القيام بذلك هو ذلك:

“عالمنا ليس مسألة استدلال بالكامل، فهناك أشياء نعرفها دون أن نسأل رأي رجال العلم، فإذا كنت شديد الحرارة أو شديد البرودة يمكنك أن تدرك هذه الحقيقة تمامًا دون أن تسأل الفيزيائي عن مكونات الحرارة والبرودة، وقد نعطي اسم (البيانات) لجميع الأشياء التي ندركها دون استنتاج”.

يمكننا بعد ذلك استخدام هذه البيانات (أو الحساسيات أو البيانات الحسية) التي نتعرف عليها بشكل مباشر لبناء كائنات المعرفة ذات الصلة، وبالمثل يمكن اختصار الأعداد إلى مجموعات من الفئات، بحيث يمكن اختزال النقاط واللقطات إلى فئات مرتبة من المجلدات والأحداث، والفئات نفسها يمكن اختزالها إلى وظائف افتراضية.

مع وضع هذه الأنواع من الأمثلة في الاعتبار يقترح راسل أننا نتبنى ما يسميه المبدأ الأسمى في الفلسفة العلمية، أي مبدأ كلما أمكن الإنشاءات المنطقية، أو كما يقول أحيانًا: “التخيلات المنطقية يتم استبدالها بالكيانات المستنتجة”.

أي شيء يقاوم البناء بهذا المعنى يمكن أن يقال إنّه ذرة وجودية، وهذه الأشياء ذرية سواء من حيث أنّها لا تتكون من أجزاء فردية جوهرية، أو بمعنى أنّها موجودة بشكل مستقل عن بعضها البعض، وكما أنّ افتراضاتهم المقابلة ذرية بمعنى أنّها لا تحتوي على افتراضات أخرى كأجزاء، وبمعنى أنّ أعضاء أي زوج من الافتراضات الذرية الحقيقية سيكونون مستقلين منطقيًا عن بعضهم البعض.

يعتقد راسل أنّ المنطق الصوري إذا تم تطويره بعناية سوف يعكس بدقة ليس فقط العلاقات المختلفة بين كل هذه الافتراضات ولكن أيضًا هياكلها الداخلية المختلفة.

أنواع المعرفة في فلسفة راسل:

لقد قدم راسل أيضًا تمييزه الشهير بين نوعين من معرفة الحقائق:

1- ما هو مباشر وبديهي ومؤكد ومعصوم من الخطأ.

2- ما هو غير مباشر ومشتق وغير مؤكد ومعرض للخطأ.

ولكي يتم تبريرها يجب أن تكون كل مطالبة معرفة غير مباشرة قادرة على الاشتقاق من ادعاءات معرفة أساسية أو مباشرة أو حدسية، وتشمل أنواع الحقائق التي يمكن معرفتها بشكل مباشر الحقائق المتعلقة بالحقائق المباشرة للإحساس وحقائق المنطق.

تمت مناقشة الأمثلة في مشاكل الفلسفة (The Problems of Philosophy)، حيث ذكر راسل أنّ الافتراضات التي تتمتع بأعلى درجة من الإثبات الذاتي (ما يسميه هنا المعرفة البديهية) تشمل: “تلك التي تنص فقط على ما هو معطى بالمعنى، وأيضًا بعض الأفكار المجردة من المبادئ المنطقية والحسابية، وإن كان ذلك بدرجة أقل من اليقين، وبعض الافتراضات الأخلاقية”.

في النهاية أكمل راسل هذا التمييز بين المعرفة المباشرة وغير المباشرة للحقائق بتمييزه المشهور أيضًا بين المعرفة عن طريق التعارف والمعرفة عن طريق الوصف، وكما يشرح راسل: “أقول إنني على دراية بشيء ما عندما تكون لدي علاقة معرفية مباشرة به، أي عندما أكون على دراية مباشرة بالموضوع نفسه، وعندما أتحدث هنا عن علاقة معرفية فأنا لا أعني نوع العلاقة التي تشكل حكمًا بل أعني النوع الذي يشكل التقديم”.

في وقت لاحق أوضح هذه النقطة من خلال إضافة أنّ التعارف لا يتضمن معرفة الحقائق ولكن معرفة الأشياء، وهكذا في حين أنّ المعرفة البديهية والمعرفة المشتقة تتضمن كلاهما معرفة الافتراضات (أو الحقائق)، فإنّ المعرفة عن طريق التعارف والمعرفة عن طريق الوصف تتضمن كلاهما معرفة الأشياء (أو الأشياء).

هذا التمييز معقد قليلاً بسبب حقيقة أنّه على الرغم من أنّ المعرفة عن طريق الوصف تعتمد جزئيًا على معرفة الحقائق، إلّا أنّها لا تزال معرفة بالأشياء وليس الحقائق، ونظرًا لأنّ الأشياء التي لدينا معرفة مباشرة بها هي أقل الأعضاء المشكوك فيهم في الأنطولوجيا لدينا، فهذه الأشياء هي التي يبني عليها راسل في النهاية نظريته المعرفية.

كان من الملائم أيضًا اعتماد راسل على ما يسمى بأسلوبه الرجعي، وتخليه في النهاية عن التأسيسية لصالح نهج أكثر تماسكًا للمعرفة، وكما يقول راسل حتى في المنطق والرياضيات:

“نميل إلى تصديق المقدمات المنطقية لأننا نرى أنّ عواقبها صحيحة، وبدلاً من تصديق العواقب لأننا نعرف أنّ المقدمات صحيحة، ولكن استنتاج المقدمات من العواقب هو جوهر الاستقراء، وبالتالي فإنّ الطريقة في التحقيق في مبادئ الرياضيات هي في الحقيقة طريقة استقرائية، وهي إلى حد كبير نفس طريقة اكتشاف القوانين العامة في أي علم آخر”.

المصدر: PORTRAITS FROM MEMORY and Other Essays, by BERTRAND RUSSELL, SIMON AND SCHUSTER NEW YORK,1956.The Philosophical Importance of Mathematical Logic AN OUTLINE OF PHILOSOPHY, By Bertrand Russell, LONDON GEORGE ALLEN & UNWIN LTD MUSEUM STREET, First published in Great Britain 1927 AMERICAN BINDERY TOPEKA, KANSAS MAY 21 195T, Printed in Great Britain ly R. & R. CLARK, LIMITED Edinburgh.THE AUTOBIOGRAPHYOF BERTRAND RUSSELL, 1914-1944, An Atlantic Monthly Press Book LITTLE, BROWN AND COMPANY BOSTON TORONTO, PRINTED IN THE UNITED STATES OF AMERICA.THE AUTOBIOGRAPHY OF BERTRAND RUSSELL, 1872-1914, An Atlantic Monthly Press Book LITTLE, BROWN AND COMPANY BOSTON TORONTO, FIRST AMERICAN EDITION. BERTRAND RUSSELL OUR KNOWLEDGE OF THE EXTERNAL WORLD AS A FIELD FOR SCIENTIFIC METHOD IN PHILOSOPHY, GEORGE ALLEN & U N WIN LTD RUSKIN HOUSE, 40 MUSEUM STREET, LONDON


شارك المقالة: