عند جهينة الخبر اليقين

اقرأ في هذا المقال


شُغف العرب منذ أقدم الأزمان بالأمثال، وقد اهتدوا بأذواقهم الفطرية السليمة إلى ما تحتويه من أفكار فذّة وجمال بلاغي، فقاموا بتمييزها على باقي الأحاديث، ونقلوها ونسبوها إلى الحكماء والعرّافين وغيرهم، حتى أنهم رووا قصصًا وأحداثًا تتمخض عن مثل، أو ما يجري مجرى المثل، ونسبوها إلى الحيوانات في شكل حكايات وروايات طريفة، فأخذت صفة الفلسفة والأدب لما فيها من حلاوة تعبير ينتمي إلى الأدب، وما فيها من عناصر الفكر والفلسفة، وإن كانت تبتعد في انتمائها إلى المنهج الأدبي والفلسفي، فالأمثال التي هي مرآة النفس، ونماذج الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار، تهدي النفوس بما أدركت عيانًا حتى تتيقن بها القلوب وتستقر النفوس.

فيم يضرب مثل “عند جهينة الخبر اليقين”؟

يُعدّ مثل “عند جهينة الخبر اليقين” من الأمثال العربية القديمة المشهورة، وهو مثل يُضرب في أولئك الذين يعرفون أن الخبر الأكيد عندهم، وليس عند غيرهم، وللمثل قصة معروفة ضمتها صفحات الكثير من أمهات الكتب العربية، وفيما يلي قصته.

قصة مثل “عند جهينة الخبر اليقين”:

أما قصة مثل “عند جهينة الخبر اليقين”، كما أوردها القاضي والمؤرخ والنسابة الأديب “حمد الحقيل” في كتابه: “كنز الأنساب ومجمع الآداب”، أن رجلًا يُعرف بالحصين بن عمرو بن معاوية بن كلاب، قد أحدث في قومه حدثًا؛ فخرج هاربًا، فاجتمع برجل من قبيلة جُهينة، يُقال له: الأخنس بن كعب، فتعاقدا ألّا يلقيا أحدًا إلا سلباه، وكلاهما فاتك يحذر صاحبه، فعرفا أن رجلًا من لخم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم، فذهبا في طلبه، فوجداه نازلًا في ظل شجرة،
فعرض عليهما الطعام فنزلا وأكلا وشربا.
ثم إن الأخنس الجهني قد ذهب لقضاء حاجته، وما إن عاد حتى وجد سيف الحُصين قد سُلّ، ورأى الرجل اللخمي مضرّج بدمائه، فما كان منه إلا أن سلّ سيفه، وقال للحصين: ويحك! قتلت رجلًا حُرّم علينا دمه بطعامه وشرابه! فقال له الحصين: اقعد يا أخا جهينة، فلهذا ومثله خرجنا، ثم إن الجُهني شغل الحصين بشيء، ثم وثب عليه فقتله، وأخذ متاعه ومتاع اللخمي، ثم انصرف إلى قومه راجعًا بماله، وكانت لحصين أخت تسمى صخرة، فكانت تبكيه في المواسم، وتسأل عنه فلا تجد من يخبرها بخبره، فقال الأخنس حين أبصرها:
“كَصَخرةٍ إذ تسائِلُ في مراحٍ * وفي جرمٍ وعِلْمُهُما ظنونُ
تُسائِلُ عن حصينِ كلَ رَكْبٍ * وعند جُهَيْنةَ الخبَرُ اليَقِينُ
فمَنْ يَكُ سائلا عنه فعـندي * لسائِلِهِ الحديثُ المستَبِينُ”، فلما أيقنوا فيما بعد من أن “الأخنس الجُهنيّ” قد قتل الحصين كما قال في شعره، أصبح شطر البيت الذي قاله مثلًا، يضربه العرب في معرفة الأخبار وصحتها.


شارك المقالة: