عرفت الأندلس بتميزها في مجال الشعر والشعراء، فكان انتشار الثقافة سببًا في تطور الشعر الأندلسي وازدهاره، وإضافةً إلى ذلك تعتبر البيئة الأندلسية هي الملهم الأول والأساسي لألباب الشعراء وقتها فكانت تحفزهم على قول الشعر، وكانت تعتبر غذاء رئيسي لمفرداتهم بأجمل الصور الفنية واللوحات الشعرية، وتحفز شاعريتهم للكتابة، إذ وجدت الطبيعية في الكثير من أشعارهم، حتى أن معظم القصائد كانت تعتمد على الطبيعة فقط، ولكن لا يمكن تطور الشعر وازدهاره على الطبيعة، فقد كانت هناك عوامل أخرى ساعدت على ذلك.
عوامل نهضة الشعر الأندلسي
كان لتطور الأدب في الأندلس دور رئيسي في تطور الشعر وانتشار الثقافة وازدهارها، وعوامل تطويره كانت ترتكز على:
1- توسع الاتجاه المحافظ الجديد: الذي عرف عنه أنه الاتجاه الذي كان قد توسع في الشرق كرد فعل للاتجاه المحدث الذي كان بزعامة أبو نواس، والذي كان سببًا رئيسيًا في خروج الشعر العربي عن كثير من تقاليده، وجاء هذا الاتجاه ليعيد الشعر العربي لطبيعته العربية الأصيلة، وعدم التفريط بالتقاليد المعتادة في الشعر المألوفة، وإيقاف انتشار الشعر المحدث بما يحتويه من دواخل غير مناسبة والبيئة العربية.
2- تقدم المسارات أعلاه: والمقصود بالمسارات السابقة هو المسار المحافظ الجديد، إذ أن للحفاظ على المسارات السابقة والرغبة في تنميتها دور كبير في بقاء وتحديث الشعر الأندلسي.
3- تسرب بعض الأفكار العلمية: ولا يقصد بهذا نظم الحقائق العلمية، وإنما معالجة القضايا معالجة شعرية تشتمل على اصطلاحات وأفكار من مجال العلم لا من مجال الفن.
4- الازدواج اللغوي: هو تسرب معظم الألفاظ من العامية اللاتينية أو الرومانية إلى لغة الشعر الفصيح، وهذا بسبب الحرية وطابع التحرر اللذين كانا من أهم صفات تلك الفترة في تاريخ الأندلس.
5- تصوير الفترة الذهبية: تناول الشعر في زمن الخلافة الحياة في الأندلس إذ كانت في قمة ألقها الذهبي الذي كانت بارزة فيه من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية، فلقد تناول الشعر قوة الدولة في العصر الأندلسي، وتقدمها بصورة قامت بدفع إمبراطور الروم بأن يقوم بإرسال الموالين إلى قرطبة.
6- الشعراء: فقد كان عدد الشعراء في الأندلس كثير، وكان من الصعوبة بمكان عَدَّهم والحديث عن كل شاعر منهم، بالإضافة إلى كثرة أدبهم وشعرهم ومؤلفاتهم، فهم السبب الرئيسي في وصول الشعر الأندلسي لأعلى المراتب والتقدم والازدهار، ومن بعض شعراء الأندلس الحداد الوادي آشي، ابن عبد ربه، مروان الطليق، أبو بكر اللبانة، ابن حزم، نجم ابن زيدون، المعتمد بن عباد، وابن فركون، وغيرهم الكثير.
سمات الشعر الأندلسي
تميز الشعر الأندلسي بالصفات الآتية:
1- الاتجاه المحافظ: كان الشعر في الأندلس يتناول بالمواضيع الكلاسيكية مثل؛ مواضيع الفخر وأخرى للحماسة والمدح والرثاء والغزل، إذ كان يسير على نهج ممن سبقهم من الشعراء في بنية القصيدة وفي تجميع صورها، ولقد ركزوا على انتزاع الصور والمعاني التي كانت مستمدة من الطبيعة البدوية القديمة، إذ كانت مفردات الأشعار مزيجًا من الفخامة والخشونة والعمق والغرابة أيضًا.
2- عوامل المحافظة: كان للنهج العربي أثر كبير في الطبيعة الأندلسية وهو نهج محافظ، مما أدى إلى انعكاسه على أدبهم وشعرهم، خصوصاً عندما كان الحكام يقومون بدعم حكمهم وتقوية هيمنتهم، فقاموا باتخاذ الشعر وسيلة ترويج ووسيلة إعلانية لهم، ومن الجدير بالذكر أن الأسلوب المحافظ الذي قام الشعراء الأندلسيون بتناوله لتلك الموضوعات القديمة له تفسير في خيالهم والعالم الذي تربّوا فيه هو الفترة التي عاش بها آباءهم وأجدادهم من قبلهم.
حيث الصورة النمطية للبيئة المتكونة بالصحراء والنوق والكثبان الرملية والليل والسهر، وغيرها من هذه الخطوط التي تخط صورة البادية، وكان آباء العرب يقولون أن أفضل أدب هو ما سطر آباؤهم في عصرهم ذاك، فكانوا يتبادلونه، ولهذا استمر الشعر الأندلسي محتفظاً بتلك البصمة المحافظة أبًّا عن جَدّ.
3- الخصائص والصفات الخاصة: إذ كان للأدباء في الأندلس صفات تتميز وتظهر بشكل واضح في شعرهم وتميزهم عن غيرهم، إذ امتلكوا خصائص مميزة لشعرهم تتمثل في الآتي:
التجديد في الموضوعات
وهو الظهور ببعض المواضيع الحديثة، أو طرح بعض التجارب الواقعية التي تمّ تناقلها من قبل، ومن أبرز الأمثلة هي المقطوعات الشعرية لأبو المخشى التي قام من خلالها بنقل المعاناة الشخصية التي عاناها عندما فقد بصره، وكان أول شاعر تطرق لهذا الموضوع ولم يسبقه أحد فيه، وفيها يقول:
خضعتْ أم بناتي للعدا
إذ قضى الله بأمر فمضى
ورأت أعمى ضريراً إنما
مشيه في الأرض لمسٌ بالعصا
فبكت وجداً وقالت قولة
وهي حرَّى بلغت مني المدى
ففؤادي قرحٌ من قولها
ما من الأدواء داء كالعمى
وإذا نال العمى ذا بصر
كان حيّاً مثل ميت قد ثوى
وكأن الناعم المسرور لم
يك مسروراً إذا لاقى الردى
التجويد الفني
هي محاولة الأداء بصورة أفضل مما تَعوّد عليها السابقون، إذ كان للأندلسيين وسائل متعددة في الإجادة، بعضها متصل بالمضمون وبعضها متصل بالشكل، إذ كانت هذه الخاصيّة من أوضح خصائص الشعر الأندلسي منذ نشأته وفي كل العصور.
التركيز العاطفي
يقصد بها أن العاطفة هي التي تظهر في الشعر الأندلسي وتكاد تكون أبرز عناصره، وتغلب على باقي الأمور الأخرى.
وفي النهاية نستنتج أن الحضارة الأندلسية تميّزت بسبب شعرائها وشعرهم، وكان لانتشار الثقافة دور كبير في تطور الشعر وازدهاره، وكانوا يستمدون ألفاظهم وصورهم الفنية من البيئة الأندلسية.