فأصلحوا بینهما بالعدل وأقسطوا

اقرأ في هذا المقال


من معاني الحياد الجميلة، ألا تميل مع أحد الطرفين لهوىً أو مصلحة، بل تقف منهما على مسافةٍ واحدة، وهذا من العدل، لكنّه يصبحُ ظلماً حين يستمر الموقف المُحايد حتى بعدما يتبين الظالم من المظلوم، وهنا يجب أن يكون لك موقف إيجابي لمصلحة المظلوم وصاحب الحق، تفرض هذا الموقفَ قِيَمُ العدالة والإيجابية، ومن استمر في موقفه المحايد بين الطرفين فقد تجاوز العدلَ إلى الظلم، وشارك الظالم في ظلمه؛ بتفريطه في نصرة الحق وأهله.

وفي القرآن منهج واضح للتعامل مع أطراف الأزمة، يُفصَّل العدل تفصيلا، قال تعالى: ﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ صدق الله العظيم[الحجرات ٩] وفي هذه الآية يظهر أنّ استمرار الحياد وعدم اتخاذ موقف بين الطرفين نوعٌ من الظلم والعنف، بل الواجب أن يتخذ الطرف الثالث موقفاً واضحاً، ينصر به الحق، ويقاوم به صاحب الظلم.

ويظهر في هذا النص الشريف أنّ الصلح عملٌ جليلٌ، يتطلب العدل مع القوة التي تفرض هذا العدل، كما قال عمر رضي الله عنه في رسالته لأبي موسى الأشعري” فإنَّ القضاء فريضة مُحكمة، وسُنة مُتَّبعة، فافْهَم إذا أُدلِي إليك بحجَّة، وانْفُذِ الحقَّ إذا وَضَح، فإنه لا يَنفع تكلُّمٌ بحقٍّ لا نفاذَ له، وآسٍبين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك؛ حتى لا يَيْئَس الضعيف من عدلك، ولا يَطمع الشريف في حَيْفك، البيِّنة على مَن ادَّعى، واليمين على مَن أنكَر، والصُّلح جائزٌ بين المسلمين، إلاَّ صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً.

ولا يَمنعنَّك قضاءٌ قضيتَه بالأمس – راجَعت فيه نفسَك، وهُدِيتَ فيه لرُشدك – أن تُراجعَ الحقَّ، فإن الحقَّ قديمٌ، ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل.

وهذا ما يُغيب عن جماعةٍ من المصلحين، حين يكون المصلح لا يملك سوى الكلمة الطيبة، وهذا يجعله يخضع لشروط القوي بُغية إتمام الصلح، فيتم الصلح – إن تم – على غير العدل، وربنا يقول: (فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ) صدق الله العظيم.

إنّ الحياد المطلوب هو في البعد عن الهوى، وعدم الانحياز لأحد الطرفين قبل أن تتبين الحقيقة، كما يعمل القاضي مع خصومه ما حال المُرافعة والمدافعة، أما بعد ظهور الحق فإنّ الحياد – حينئذ – نوعٌ سيء من الظلم، يشبه ظلم القاضي الذي حجج الطرفين، ثم ساوى بين الظالم والمظلوم.


شارك المقالة: