فبما رحمة من الله لنت لهم

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ﴾ صدق الله العظيم [آل عمران ١٥٩].

قال الدكتور الخطيب في التفسير القرآني:

هذه لفتة خاصة من الله تعالى إلى رسولة الكريم، وأن الله قد أودع قلبَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة للمؤمنين، ليكون فيهم الأب الودود الرحيم، يرعى أبناءه، ويسدد خطاهم، ويتقبل من مُحسنهم، ويعفو عن مسيئهم، فهو من قال الله عنه: ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم[التوبة ١٢٨] على هذا الخلق الكريم صنعه الله وطبعه، وبهذه الرحمة أرسله رحمة للعالمين.

قوله تعالى: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهم) الباء هنا سببيه، كما قال أهل التفسير، أي بسبب ما أودع الله فيك من رحمةٍ، كان منك اللين، وذلك العطف.

قوله تعالى: ( ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ) وفي هذا كشف للطبيعة التي جُبلت عليها النفوس، كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها)، وأن الناس تألف من يتألفهم، ويكون لهم مُحسناً، ويلقاهم بالصفح الجميل، وعلى غير هذا من كان حاد الطبع، شرس الخُلق، غليظ القلب، لا يقبل عثرة، ولا يغفر زلة، إنّه لن يجد من الناس إلّا المقت والنفور.

قوله تعالى : (فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ) صدق الله العظيم، بيان لبعض الأسس الصحيحة لمنهج التربية في الإسلام ، التي يأخذ بها النبي جماعة المؤمنين، وأول هذه الأسس: العفو عن المحطيء، وفي هذا ما يفتح منافذ القلب ويصفي الروح من دواعي الحسرة والألم، وينزع منه وساوس السوء والشر.

ومن هذه الأسس: الاستغفار للشخص المسيء، والدعاء بالرحمة له والمغفرة من الله تعالى، وهذا إحسان بعد إحسان، يزيد القلب صفاء، والنفس إشراق، وولاء، فإذا استوت جماعة المسلمين على تلك الصورة الكريمة، فلم يكن فيها مذموم أو مطرود، ولم ينتظم في عقدها النظيم معطوب أو مقهور- كانت جميعها قلباً واحداً، ومشاعر واحدة، تتحرى خير الجماعة، وتنشد أمنها وسلامتها، وقد قال عبد الله بن شقيق: “الرجل ثلاثة: رجل علم حسنة فهو يرجو ثوابها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة، والثالث: الرجل الكذاب يتمادى في الذنوب ويقول أرجو المغفرة …

ثم قال تعالى:(فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ) صدق الله العظيم، قال العلماء في قوله تعالى: (فإذا عزمت) على إمضاء ما تريد عقب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك (فتوكل على الله) في فعل ذلك أي اعتمد عليه وفوض إليه.

وهذا هو الكيان الذي يجب أن تقوم عليه جماعة الإسلام ( الرحمة واللين والعفو والاستغفار للمسلمين والمشاورة والحكمة في اتخاذ القرارات).


شارك المقالة: