فكر مور في أعماله الفلسفية عن الفطرة السليمة واليقين

اقرأ في هذا المقال


أطلق على جورج إدوارد مور لقب فيلسوف الفيلسوف، وهو توصيف دقيق فيما يتعلق بالاحترام الذي يحظى به من قبل الفلاسفة الآخرين وفيما يتعلق بالصعوبة التي تعرضها كتاباته للقارئ العادي، ومع ذلك فإن كتابات مور لا تمثل سوى جزء من تأثيره، حيث أدى تأثيره على العديد من طلابه ومعاصريه، وقوته الشخصية في المحادثة داخل وخارج الفصل الدراسي، وسعيه النظيف والمكثف إلى الحقيقة إلى مقارنته بسقراط.

فلسفة مور في ورقته الفلسفية الفطرة السليمة:

كان أحد الجوانب المهمة لرفض جورج إدوارد مور للمثالية هو تأكيده على الموقف الواقعي (للفطرة السليمة)، والذي وفقًا له تكون وجهة نظر المرء أنّ الفطرة السليمة للعالم صحيحة إلى حد كبير، حيث دافع مور صراحةً عن هذا الموقف لأول مرة في محاضراته التي ألقاها في 1910-1911 عن بعض المشكلات الرئيسية في الفلسفة، ولكنه جعلها خاصة به عندما استجاب في عام 1925 لدعوة لوصف موقفه الفلسفي من خلال تحديد ذلك على أنّه دفاع عن الفطرة السليمة.

يبدأ مور الورقة بسرد عدد كبير من الحقائق البديهية مثل أنّ: “الأرض كانت موجودة أيضًا لسنوات عديدة قبل أن يولد جسدي”، وفيما يتعلق بهذه البديهيات يؤكد بعد ذلك:

1- أولاً أنّه يعرفها على وجه اليقين.

2- ثانيًا أنّ الآخرين يعرفون على وجه اليقين حقيقة الحقائق البديهية عن أنفسهم.

3- وثالثًا أنّه يعرف هذه الحقيقة العامة الثانية (وضمنًا يفعل الآخرون أيضًا).

لذا فإنّ الحقيقة والمعرفة العامة لهذه الحقائق البديهية هي مسألة منطقية، وبعد وضع هذه الحقائق البديهية يعترف مور بعد ذلك بأنّ بعض الفلاسفة أنكروا حقيقتهم أو بشكل أكثر شيوعًا أنكروا معرفتنا بها، على الرغم من أنّهم وفقًا لمور يعرفونهم أيضًا.

ويحاول مور إظهار أنّ هذا الإنكار غير متماسك أو لا مبرر له، وقد يبدو أنّ هذه الادعاءات تترك مساحة صغيرة للحجج الفلسفية الراديكالية، ولكن في الجزء الأخير من الورقة يجادل مور بأنّ دفاعه عن الفطرة السليمة يترك السؤال غير المحسوم تمامًا حول كيفية تحليل الافتراضات البديهية التي تشكل وجهة نظر الفطرة السليمة للعالم.

قد يكون التحليل راديكاليًا بالقدر الذي يحبه المرء طالما أنّه يتفق مع حقيقة ومعرفة المقترحات التي تم تحليلها، وهكذا على سبيل المثال فهو راضٍ عن السماح بأنّ الحجة الفلسفية قد تظهر أنّ التحليل الظاهراتي للقضايا المتعلقة بالعالم المادي صحيح.

توضح هذه النقطة الأخيرة أنّ دفاع مور عن الفطرة السليمة لا يشكل قيدًا على النظرية الفلسفية كما قد يعتقد المرء في البداية، حيث للتحليل الفلسفي يمكن أن يكشف لنا حقائق حول الموضوع الرئيسي أو النهائي لطرح بديهي والتي ليست بأي حال من الأحوال ما يفترضه الفطرة السليمة.

فلسفة مور في إثبات وجود العالم الخارجي:

قد يكون هذا المعنى مهمًا عندما يتحول المرء إلى دراسة أكثر أوراق مور شهرة وهي (إثبات وجود العالم الخارجي)، حيث نص محاضرة الأكاديمية البريطانية التي ألقيت في عام 1939 عندما كان مور يتقاعد من أستاذية كامبريدج.

هنا يضع مور نفسه على عاتقه مهمة القيام بما كان كانط قد عيّن نفسه للقيام به في وقت سابق، أي تقديم دليل على وجود أشياء خارجية، وتم تخصيص جزء كبير من المحاضرة لدراسة ما يمكن اعتباره كائنًا خارجيًا، ويدّعي مور أنّ هذه الأشياء لا يعتمد وجودها على تجربة المرء، ولذلك كما يجادل مور إذا تمكن من إثبات وجود أي من هذه الأشياء فسيكون قد أثبت وجود عالم خارجي، وثم يؤكد مور أنّه يمكنه القيام بذلك:

“كيف؟ من خلال رفع يدي والقول بينما أقوم بإيماءة معينة باليد اليمنى إذن هذه يد واحدة، وإضافة حيث أقوم بإيماءة معينة باليد اليسرى وهنا أخرى”.

ثم يذهب مور ليقول إنّ هذا التظاهر ليديه كان دليلًا صارمًا تمامًا على وجود أشياء خارجية، لأنّ مقدماتها تستلزم بالتأكيد نهايتها وهي أشياء عرف حينها أنّها صحيحة:

“كنت أعرف أنّ هناك يدًا واحدة في المكان المشار إليه من خلال الجمع بين إيماءة معينة ونطقي الأول بـ (هنا)، وأنّ هناك يدًا أخرى في المكان المختلف المشار إليه من خلال الجمع بين إيماءة معينة ونطقي الثاني بـ (هنا).

وكم سيكون من العبث القول بأنني لم أكن أعرف ذلك بل صدقته فقط، وربما لم يكن الأمر كذلك! فقد تقترح أيضًا أنني لا أعرف أنني الآن أقف وأتحدث، وربما بعد كل شيء لست متأكدًا وليس من المؤكد أنني كذلك!”

تمت مناقشة أهمية هذا الأداء منذ أن طرحه مور، ومن الشائع أنّ مور وضع نفسه هنا لدحض الشكوك الفلسفية، وأنّ أدائه رغم كونه مثيرًا للفضول فإنّه غير ناجح، ولكن هذا التفسير غير صحيح، حيث هدف مور المعلن هو إثبات وجود عالم خارجي وليس إثبات معرفته بوجود عالم خارجي، وحدد مور نفسه هذا بوضوح في مناقشة لاحقة لمحاضرته:

“لقد ميزت أحيانًا بين افتراضين مختلفين كل منهما قدمه بعض الفلاسفة، وهما الأول هو الافتراض حيث لا توجد أشياء مادية، وثاني الافتراض هو لا أحد يعرف على وجه اليقين أنّ هناك أي أشياء مادية.

وفي محاضراتي الأخيرة بالأكاديمية البريطانية بعنوان (إثبات وجود عالم خارجي) أشرت ضمنيًا فيما يتعلق بأول هذه المقترحات إلى أنّه يمكن إثبات زيفها بهذه الطريقة، أي برفع إحدى يديك وقول: “هذه اليد شيء مادي لذلك هناك شيء مادي واحد على الأقل، ولكن فيما يتعلق بالثاني من الافتراضين لا أعتقد أنني أشرت في أي وقت مضى إلى أنّه يمكن إثبات أنّها خاطئة بأي طريقة بسيطة”.

وبغض النظر عن أي نية معادية للشك فإنّ تقييم الاحتياجات هو الأهمية الميتافيزيقية لإثبات مور كدليل على العالم الخارجي، من الواضح أنّ كل شيء هنا يعتمد على ما يمكن اعتباره خارجيًا، لا سيما ما إذا كان إظهار مور لوجود يديه يثبت وجود أشياء لا تعتمد بأي حال من الأحوال على الخبرة أو الفكر.

لا بد أنّه من الواضح أنّها ليست كذلك لأنّ هذه القضية تعتمد على أسئلة فلسفية أوسع حول المثالية لا يمكن حلها بهذه الطريقة، حيث يجب تقديم تمييز مور الخاص بين أسئلة الحقيقة وأسئلة التحليل، ويوضح دليل مور عن الحقيقة التجريبية لبديهية بسيطة وهي أنّ لديه يدان، ولكنه يترك مسألة تحليل هذه الحقيقة مفتوحة بالكامل.

ومع ذلك فإنّه على مستوى التحليل يجب الإجابة على السؤال المتعالي حول ما إذا كانت أشياء مثل الأيدي مستقلة تمامًا عن التجربة والفكر؟

فلسفة مور في اليقين والشك:

على الرغم من أنّه لم يقصد مور إثباته كدحض للشك إلّا أنّه قد جادل كثيرًا ضد الآراء المتشككة، حيث وفي كتاباته المبكرة على الرغم من المقطع المقتبس للتو فإنّه يعطي أحيانًا انطباعًا بأنّه يعتقد أنّه يمكن للمرء دحض الشكوك بمجرد طرح حالة واضحة من المعرفة مثل: “أعلم أن ّهذا قلم رصاص”.

ولكن عند الفحص يتبين أنّ استراتيجيته هنا أكثر دقة، حيث إنّه يريد أن يجادل بأنّ المرء يحصل على فهمه للمعرفة في المقام الأول من خلال حالات مباشرة من هذا النوع، وبالتالي فإنّ الحجج المتشككة تقوض نفسها وذلك لأنّها من ناحية تعتمد على المبادئ العامة حول حدود المعرفة وبالتالي تفترض بعض فهم المعرفة، ولكنهم من ناحية أخرى يقوضون هذا الفهم من خلال الإيحاء بعدم وجود مثل هذه الحالات المباشرة.

ومع ذلك فإنّ قوة الحجج من هذا النوع قابلة للجدل لأنّ المشكك يمكنه دائمًا تقديم حجته على أنّها اختزال لإمكانية المعرفة، وتنطبق نفس النقطة على محاولات مور الأخرى لإدانة المشككين بنوع من عدم الترابط العملي.

في كتابين من كتاباته الأخيرة وهما (أربعة أشكال من الشك) و (اليقين) عاد مور الذي ربما كان غير راضٍ عن هذه الحجج السابقة وبسبب سوء فهم برهانه إلى القضية ووضع لنفسه التحدي المتمثل في دحض الشكوك الديكارتية.

من المعروف أنّه بنهاية اليقين اعترف مور بالهزيمة وذلك بعد أن وافق على أنّه إذا كان لا يعرف أنّه لا يحلم فإنّه لا يعرف أشياء، مثل أنّه يقف ويتحدث، وكذلك فإنّه يقبل (مع تحفظات) أنّه لا يستطيع أن يعرف على وجه اليقين أنّه لا يحلم.

يتفق معظم المعلقين والناقدين على أنّ مور ضل طريقه هنا، ولكن ليس من الواضح أين، لأنّ مور لم يرتكب خطأ واضحا، ومع ذلك تظل جدوى استجابة الفطرة السليمة للتشكيك سمة مهمة للمناقشات اللاحقة حول الموضوع.

من الواضح أنّ مور كان على حق عندما أشار على سبيل المثال إلى أنّه على الرغم من المهن المتشككة المتكررة لبيرتراند راسل إلّا أنّ راسل كان متأكدًا تمامًا دون أدنى شك في آلاف المناسبات، ومن أنّه كان جالسًا.

لكن ما يصعب تحقيقه هنا هو صياغة للديالكتيك (أي لجدلية) المتشكك، حيث يُظهر كلاهما أهمية تأكيدات مور في الفطرة السليمة على اليقين، ومع ذلك يتجنب الإصرار الدوغمائي على أنّ المعرفة لا تحتاج إلى أن تبرأ في مواجهة الحجة المتشككة، كما أنّ كتابات فيتجنشتاين حول اليقين والتي تأثرت كثيرًا بمور ربما تشير بشكل أفضل إلى كيفية تحقيق ذلك.


شارك المقالة: