في الفترة من 1889 إلى 1930 عملت الفيلسوفة جين آدامز كعضو في الجيل الكلاسيكي لعلم الاجتماع، وذلك على إنشاء علم اجتماع يضع فلسفة أخلاقية في مركز تحليله للمجتمع والحياة الاجتماعية، كمتغير توضيحي رئيسي في النظرية الاجتماعية، وهو هدف سياسي لعلم الاجتماع وتركيز تطبيقي هام في ممارسة علم الاجتماع العام، بحيث تقدم دراسة عن فكر ومهنة آدامز فرصة فردية تقريبًا لفحص عالم اجتماع رئيسي يتصارع مع قضية تواجه المجال الجديد للإيثار والأخلاق والتضامن الاجتماعي.
أخلاقيات الرعاية:
على الرغم من أن كلمة (الرعاية) بسيطة مصطلح مُستدعى على نطاق واسع، إلّا أنّ العديد من المنظرين النسويين استثمروها بمعنى معين لأنّها تنطبق على الأخلاق، وكان الدافع الأصلي لتطوير أخلاقيات الرعاية هو الاعتراف بأنّ الأشكال التقليدية للأخلاق ولا سيما الأخلاق القائمة على المبادئ والقائمة على النتائج، لم تعالج بشكل كاف ثراء الحالة الإنسانية، ويقال إنّ هذه الأساليب تحصر العواطف والعلاقات والاعتبارات الزمنية والمعاملة بالمثل والإبداع للتركيز على الفصل الفوري في النزاعات الأخلاقية.
وبناءً على ذلك يمكن أن يصبح استخدام القواعد أو العواقب استجابة اختزالية وصيغية تؤدي إلى استجابات قصيرة النظر للقضايا المعقدة والنظامية، وبالنسبة لأخصائيي أخلاقيات الرعاية على الرغم من عدم تجاهل المبادئ تمامًا إلّا أنّ الاهتمام بالتواصل بين الأشخاص يتم تلطيفها، وتحتل المبادئ والنتائج مكانًا مهمًا في التداول الأخلاقي، ولكن منظري الرعاية يسعون إلى إحساس أكثر قوة وتعقيدًا للأخلاق لا يمكن أن يتجاهل السياق والأشخاص المعنيين.
على سبيل المثال فإنّ الادعاء بأنّ الأشخاص الذين يرشون رسومات على الجدران على مبنى، فإنّه يجب أن يعاقبوا لأنّهم أضروا بممتلكات شخص آخر (انتهاك القاعدة أو المبدأ)، ومن المرجح أن يحصل على موافقة واسعة النطاق، ولا ينكر أخصائيو أخلاقيات الرعاية بالضرورة مثل هذا التأكيد ولكنهم يريدون معرفة المزيد، فالشخص الذي يقوم بالرش هو إنسان قد تكشف دوافعه وظروفه عن متغيرات أخرى لم يتم تناولها بشكل كافٍ من خلال مجرد الاعتراف بانتهاكات القواعد، قد تكون هناك قضايا منهجية تتعلق بالفرص الاجتماعية أو التمييز أو قلة الصوت التي ساهمت في هذا السلوك.
يحول علماء أخلاقيات الرعاية التركيز الأخلاقي من الأفراد المجردين وأفعالهم إلى الأشخاص الملموسين الموجودين بمشاعر وأصدقاء وأحلام وأشخاص يمكن الاهتمام بهم، وتتطلب أخلاقيات الرعاية الجهد والخبرة والمعرفة والخيال والتعاطف لفهم كامل السياق الأخلاقي بشكل فعال، والنتيجة ليست إعفاءً من المسؤولية الشخصية بل فهمًا أكثر ثراءً للوضع البشري حيث نكون جميعًا فاعلين ونتصرف بناءً عليه.
ادعاءات آدامز بأخلاقيات الرعاية:
يشير تحليل فلسفة جين آدامز الأخلاقية إلى ثلاثة ادعاءات على الأقل حول علاقتها بأخلاقيات الرعاية النسوية (avant la lettre) بمعنى قبل الرسالة:
1- أولاً عكس نهج آدامز للقضايا الاجتماعية المهمة في عصرها العلاقة والسياق المهمين لما يسمى أخلاقيات الرعاية اليوم.
2- ثانيًا على الرغم من أنّ آدامز وظفت الرعاية استجابةً لاحتياجات الآخرين، إلّا أنّها تساهم بعدًا نشطًا بل وحازمًا في أخلاقيات الرعاية غير الشائعة في النظرية النسوية.
3- ثالثًا تدافع آدامز عن ما يمكن تسميته (بالرعاية الاجتماعية)، أي إنشاء عادات وممارسات الرعاية بشكل منهجي في المؤسسات الاجتماعية.
فلسفة أخلاقيات الرعاية لدى آدامز:
تتحرك آدامز باستمرار إلى ما هو أبعد من الحسابات الأخلاقية المعيارية للمبادئ أو العواقب لتطبيق نوع من أخلاقيات الرعاية على تجاربها في حي هال هاوس، ومرة أخرى يعد القرب أمرًا حاسمًا لأنّ لديها خبرة مباشرة مع الأفراد الذين يوفرون الموارد بشكل أفضل لاستجابة رعاية، ومع ذلك كفيلسوفة تستنبط آدامز تجاربها للتنظير حول الآخرين الذين يعانون من ظروف مماثلة.
على سبيل المثال في كتابها روح الشباب وشوارع المدينة آدامز (The Spirit of Youth and the City Streets Addams) يعالج جنوح الأحداث، وتروي التهم الموجهة إلى الشباب الذين مثلوا أمام محكمة الأحداث في شيكاغو (التي ساعدت هال هاوس في تأسيسها)، وتم تصنيف هذه التهم حسب النوع مثل السرقة والتي تضمنت سرقة الحمام والبطانيات والدراجة، وفئة أخرى كانت السلوك غير المنضبط الذي شمل التقاط الفحم من خطوط السكك الحديدية، ورشق الحجارة على موظفي السكك الحديدية وتحطيم السياج.
كان هناك أيضًا تشرد يشمل التسكع والنوم في الشوارع طوال الليل والتجول، ولا تنكر آدامز خطورة بعض هذه المخالفات لكنها لا تتسرع في إصدار الأحكام، وبدلاً من ذلك تختار التحقيق في السياق بشكل أكبر، وتتحدث مع الشباب وتسألهم عن دوافعهم، وتحدد حالة الخمول والرغبة في المغامرة التي لا يهدأها ما تقدمه المدينة: “مطلبهم بالإثارة هو احتجاج على بلادة الحياة، ونحن أنفسنا نستجيب لها بشكل غريزي”.
تنظر آدامز إلى المدينة على أنّها مبنية حول إمكانية إنتاج المصنع ولكنها تتجاهل احتياجات العمال في المستقبل، وتجد في (الأحداث الجانحين) العديد من الشباب الذين يسعون ببساطة إلى المغامرة والإثارة لأنّ حياتهم ليس لها سوى القليل منها، ولو كانت آدامز تجرد الشباب فقط كفئة من الأفراد الذين يبدو أنّهم عرضة لخرق القانون لكان بإمكانها بسهولة العثور على مبادئ لوضع حكم سلبي عليهم، ومع ذلك رأت آدامز أنّهم بشر وقد نشأ العديد منهم في الحي، وكانت تهتم بهم بما يتجاوز التسمية المنفردة (الشباب المضطرب).
أكثر من مجرد تصور مسبق لأخلاقيات الرعاية تضفي آدامز مستوى عالٍ من المسؤولية الاجتماعية في هذا النهج الأخلاقي، وتدافع آدامز عن واجب الوعي الاجتماعي والمشاركة وبالتالي خلق إمكانات الرعاية، ويشعر العديد من أخصائيي أخلاقيات الرعاية بالقلق من مفهوم الواجب كما تم صياغته تقليديًا، حيث تضمنت الواجبات الأخلاقية تاريخيًا ادعاءات تتعلق بالإجراءات التي يتعين على الشخص تقديمها نيابة عن شخص آخر، لأنّ (الآخر) هو الآخر مجرد والمتطلبات عالمية (يجب أن أتصرف بهذه الطريقة في جميع الحالات) تميل الواجبات تجاه الآخرين نحو الحد الأدنى من الالتزام الأخلاقي.
على سبيل المثال إذا كانت حياة شخص ما في خطر ولا يتطلب الأمر سوى الحد الأدنى من الجهد لمنعها، مثل غرق رضيع في 3 بوصات من ماء الاستحمام فإنّ الالتزام الأخلاقي بالتصرف موجود، وعلى الرغم من أنّ مثل هذه الحالات تحصل على اتفاق واسع النطاق، إلّا أنّه يصبح من الصعب التأكد من الالتزام الذي يجب على المرء أن يبتعد عن الآخرين مع توقعات غير واضحة للنجاح.
على سبيل المثال يتمتع العديد من الأمريكيين بدخل يمكن إنفاقه يمكن أن ينقذ حياة شخص ما في بلد يعاني من الفقر في قارة بعيدة، هل عليهم التزام أخلاقي بمنحهم المال وإلى أي مدى؟ يبني آدامز واجب الرعاية بشكل مختلف، فهي لها مطلب معرفي.
تدّعي آدامز أنّ المواطنين الجيدين يسعون بنشاط لمعرفة الآخرين -ليس فقط الحقائق ولكن فهمًا أعمق- لإمكانية الاهتمام والتصرف نيابة عنهم: “إذا ازدرينا زملائنا وقلنا بوعي اتصالنا إلى أنواع معينة من الأشخاص الذين لقد قررنا سابقًا الاحترام، فنحن لا نحصر نطاق حياتنا بشكل كبير فحسب بل نحد من نطاق أخلاقياتنا”، فبالنسبة لآدامز يجب اتباع أخلاقيات الرعاية بنشاط وليس تعزيزها بشكل سلبي، ولغة آدامز أكثر حزما من خطاب أخلاقيات الرعاية الحالي.
أخيرًا توسع آدامز أخلاقيات الرعاية إلى المجال العام، وإنّها ليست راضية عن تجزئة الأخلاق الشخصية والاجتماعية، والاهتمام هو ما تشتهيه من الديمقراطية ومؤسساتها المختلفة، وترى آدامز أنّ سكان المستوطنات الاجتماعية على سبيل المثال لديهم فرصة لرؤية المؤسسات من وجهة نظر المتلقي، لأنّهم ليسوا مؤسسات بعيدة ولكنهم جيران، حيث تجد هذا المنظور مهمًا وتعتقد أنّه يجب في النهاية إيجاد تعبير في الإدارة المؤسسية.
علاوة على ذلك فإنّها تميز المشروع المعرفي للمستوطنة عن الجامعة في اللغة التي تعترف بعنصر الرعاية: “التسوية تعني التطبيق بدلاً من البحث، وللعاطفة مقابل التجريد من أجل المصلحة العامة مقابل التخصص”، وبينما تلخص المستوطنات الاجتماعية مسعى ديمقراطيًا لآدامز فإنّها تطبق نفس قيم الرعاية على المؤسسات الأخرى، ويمثل إنشاء محاكم الأحداث في شيكاغو مثالاً على الرعاية لأنّها فرضت مراعاة السياق الخاص بالشباب.
أظهر إنشاء تعليم الكبار الذي عالج القضايا الملموسة والمعاصرة أيضًا مراعاة الاهتمام باحتياجات جيران هال هاوس، ولعل الأهم من ذلك كله أنّ سلوك سكان هال هاوس أظهر أخلاقيات الرعاية في استعدادهم للاستماع والتعلم والاستجابة، وتنظر آدامز إلى الرعاية الاجتماعية على أنّها مشاركة في نموذج غني للديمقراطية.