فلسفة آدمز في المعرفة المتعاطفة والتقدم الجانبي

اقرأ في هذا المقال


تمثل إنجازات فلسفة جين آدامز كمصلحة اجتماعية إرثًا رائعًا لكنها تركت أيضًا تراثًا فكريًا مهمًا، وقامت بتأليف عشرات الكتب وأكثر من 500 مقالة عن الفلسفة الاجتماعية الأصلية، كما اعترف بها معاصروها بما في ذلك جون ديوي وويليام جيمس وجورج هربرت ميد.

أفكار آدامز الاجتماعية والاعتراف بها كفيلسوفة:

هناك عدد من الأسباب التي أدت إلى عدم الاعتراف بجين آدمز بشكل عام كفيلسوفة حتى أواخر القرن العشرين والتي تشمل جنسها وارتباطها بالعمل الاجتماعي، وهناك عامل آخر في هذا النقص في الاعتراف هو أنّها لم تكن فيلسوفة منهجية سواء من حيث الأسلوب أو المنهجية، حتى أسلوب كتابة آدامز ليس نموذجيًا للتقاليد الفلسفية من حيث افتقاره إلى شخصية مجردة ثابتة.

على سبيل المثال في كتاب (الديمقراطية والأخلاقيات الاجتماعية) الذي يمكن القول أنّه أكثر كتب آدامز فلسفية، تتناول الفصول العاملين في الأعمال الخيرية والعلاقات الأسرية وخدم المنازل وظروف العمل الصناعية والأساليب التعليمية والإصلاحات السياسية.

بالنسبة للفيلسوف المتمرس تبدو هذه الموضوعات بعيدة كل البعد عن الاعتبارات المألوفة لنظرية المعرفة والميتافيزيقيا والأخلاق، ومع ذلك يكشف الفحص الدقيق لعملها أنّ آدامز تبدأ بالظواهر الاجتماعية وتستمد الاستدلال النظري من هذه التجارب، وفي كتابها (الديمقراطية والأخلاقيات الاجتماعية) تقدم آدامز رؤى مثيرة وحتى جذرية لطبيعة الأخلاق ونظرية المعرفة.

لقراءة آدامز كفيلسوف يتطلب تنحية الافتراضات حول البدء من المواقف النظرية المجردة، وبصفتها براغماتية تهتم آدامز بشدة بالفلسفة الاجتماعية، وكل ما تكتبه يسعى إلى ما يمكن أن يشير إليه جيمس على أنّه (القيمة النقدية) لفكرة النمو والتحسين الاجتماعي، حيث هناك أربعة أركان أساسية مترابطة في فلسفتها الاجتماعية هي مفاهيم المعرفة الودية والتقدم الجانبي والتعددية والخطأ.

مفهوم المعرفة المتعاطفة:

مفهوم المعرفة المتعاطفة يظهر من بداية كتابها الأول (الديمقراطية والأخلاق الاجتماعية)، واستعراض جميع أعمالها التي تتناول القضايا الاجتماعية، وفي الأساس المعرفة المتعاطفة هي فكرة أنّ البشر يمكن أن يتعلموا عن بعضهم البعض بمصطلحات تتجاوز المعرفة الافتراضية، أي بدلاً من مجرد تعلم الحقائق يتم اكتساب المعرفة من خلال الانفتاح على المعرفة التخريبية، ويمكن أن تكون المعرفة مزعزعة بمعنى أنّ المعلومات الجديدة يمكن أن تحول تجربة المرء وفهمه.

حفزت هذه الفكرة آدامز وسكان هال-هاوس على إجراء أول دراسة حضرية للتركيبة السكانية العرقية، والتي نُشرت باسم خرائط وأوراق هال هاوس في عام 1895، ودمجت آدامز الاستقصاء المعرفي مع التحليل الأخلاقي بحيث كان من مسؤولية أعضاء المجتمع معرفة بعضهم البعض بشكل أفضل لأغراض الاهتمام والتصرف نيابة عن بعضهم البعض.

المعرفة المتعاطفة هي الأساس المنطقي لآدامز وراء التسويات الاجتماعية، ومن خلال توفير موقع مادي يمكن أن يلتقي فيه الأشخاص من خلفيات مختلفة، ويتم بناء المعرفة الاجتماعية لتقليل تجريد الآخرين البعيدين وتحويلهم إلى آخرين ملموسين ومعروفين، ووفقًا لذلك يقترح آدامز أنّ العديد من الأنشطة الاجتماعية التي ترعاها هال هاوس -النوادي والعروض وألعاب القوى- لم تكن شؤونًا تافهة، ولكنها وسيلة لكسر الحواجز بين الناس وبالتالي تعزيز المعرفة المتعاطفة.

في أعمالها (عشرين عامًا في هال هاوس) ولاحقًا في (العشرون سنة الثانية في هال هاوس) تدّعي آدامز أنّ هذه الأنشطة الاجتماعية أدت وظيفة تثقيفية، وأنّ المستوطنات الاجتماعية كانت في الواقع مشاريع تثقيفية شاملة، ومثل ديوي قدرت آدامز التعليم كأساس لمجتمع ديمقراطي صحي، ومثل ميد اعتبرت آدامز (اللعب) جانبًا أساسيًا من جوانب التعليم نظرًا لقدرته على إطلاق الخيال.

تأخذ آدامز هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك حيث تجادل بأنّ اللعب مهم لديمقراطية نابضة بالحياة لأنّه يخلق إمكانية الخيال التعاطفي، وعندما يلعب المرء يأخذ المرء أدوارًا للآخرين ومن خلال الاستيطان الوهمي لهذه المواقف يبدأ في التعاطف مع محنة الآخرين، وبهذه الطريقة يساهم التعليم أيضًا في المعرفة المتعاطفة، وبالمثل يمكن للأدب والدراما تعزيز المعرفة الودية حيث يتعاطف المرء مع الشخصيات الخيالية، وبناءً على ذلك رعت هال هاوس المسرح المجتمعي وكذلك قراءة الروايات.

أساس المعرفة المتعاطفة هو الخبرة التي يتم استنباطها بشكل خيالي، حيث تعتقد آدامز أنّه إذا فهم جمهورها ما يجري في حياة الآخرين حتى لو كان هؤلاء الآخرون منبوذين، فقد نبدأ في الاهتمام وربما نتخذ إجراءات إيجابية نيابة عنهم، ويمتد أسلوب آدامز في المعرفة المتعاطفة إلى أولئك الذين اختلفت معهم، على سبيل المثال في كتاب الديمقراطية والأخلاق الاجتماعية تصف آدامز معاركها السياسية الفاشلة مع عضو مجلس محلي الجناح المحلي جوني باورز (الذي لم تذكره آدامز في الطباعة).

قامت هال-هاوس برعاية عدد من المحاولات الفاشلة لإزاحة القوى، وبدلاً من إثارة انتقادات لباورز بسبب صفقاته في الغرف الخلفية والرشاوى، وشرعت آدامز في فهم السبب الذي جعل عضو مجلس محلي مشهورًا، ومن خلال طريقة التحقيق هذه بدأت آدامز على الرغم من عدم تغيير إدانتها لمحاباة باورز في فهم كيف يقدر أفراد الجناح عضو مجلس محلي كان مرئيًا ومتصلًا بحياتهم اليومية.

بالنسبة لآدامز كانت المعرفة المتعاطفة على الرغم من آثارها العاطفية محاولة عقلانية لفهم الآخرين، ووفقًا لذلك تجنبت آدامز العداء، وتعزز هجمات ردة الفعل الموجهه نحو شخص الإعلانية الحواجز الدفاعية فقط، لذا استخدمت آدامز المعرفة المتعاطفة فيما وصفته بطريقة منفصلة، وقد يبدو مثل هذا النهج غير بديهي، ولكنه مفهوم بالنسبة لشخصية مثل آدامز التي ربطت بين الطبيعة المحفوظة للعصر الفيكتوري والالتزام الأخلاقي للعصر التقدمي.

مفهوم التقدم الجانبي:

نظرًا لمكانتها كواحدة من الشخصيات البارزة في العصر التقدمي فليس من المستغرب أنّ آدامز دعت إلى التقدم الاجتماعي، ولكنها ميّزت نوع التقدم المعين الذي دعت إليه، وشهدت الثورة الصناعية ازدهار العديد من الناس باسم التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، بالإضافة إلى ذلك نشأت آدامز في حقبة ما بعد الحرب الأهلية حيث نُسب التقدم الاجتماعي إلى الحقوق المكتشفة حديثًا للأميركيين الأفارقة، ومع ذلك رأت آدامز أنّ هذا التقدم مجرّد أكثر منه ملموسًا.

في حالة التقدم الاقتصادي فقد اختبرته في الغالب نخبة قليلة مع بعض الفوائد التي تصل إلى الطبقة الوسطى، ومن وجهة نظرها في هال هاوس لاحظت عدم قدرة المهاجرين على المشاركة الكاملة في الاقتصاد أو العملية السياسية، وبالمثل رأت أنّه على الرغم من أنّ الأمريكيين الأفارقة يتمتعون ظاهريًا بحقوق قانونية، إلّا أنّهم غالبًا ما يُمنعون من إعمال تلك الحقوق من خلال مجموعة من القوانين التي تهدف إلى التحايل على المساواة والعنصرية في العلاقات الاجتماعية.

بالنظر إلى هذه التجارب دعت آدامز إلى ما أشارت إليه باسم (التقدم الجانبي)، أو الفكرة القائلة بأنّه من أجل تحقيق تقدم حقيقي يجب أن يتم اختباره بطريقة واسعة النطاق بدلاً من قلة مميزة، وعلاوة على ذلك فإنّ فكرة آدامز عن التقدم الجانبي لم تكن مفروضة بشكل هرمي من هياكل السلطة، حيث تصورت آدامز تقدمًا مستمدًا من العمليات الديمقراطية التشاركية.

طبقت آدامز مفهوم التقدم الجانبي على عدد من القضايا الاجتماعية، وعندما يتعلق الأمر بحق المرأة في التصويت على سبيل المثال لم تؤسس آدامز حججها على مبادئ المساواة أو الإنصاف، وبدلاً من ذلك قالت إنّ مثل هذه الخطوة تمثل تقدمًا جانبيًا، وإشراك الجميع -بما في ذلك النساء- سيؤدي إلى تحسين المجتمع، وبالمثل فإنّ دعمها للنقابات العمالية قد خفف من خلال فكرة التقدم الجانبي.

لم تدافع آدامز عن المفاوضة الجماعية لمجرد إفادة أولئك المحظوظين بما يكفي ليكونوا في النقابات، ورأت أنّ النقابات العمالية تعمل على تحقيق التقدم الجانبي من خلال تحسين الأجور وساعات العمل وظروف العمل لجميع العمال.


شارك المقالة: