فلسفة آدمز في بعض المفاهيم الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


تؤكد كتابات وفلسفة جين آدامز على الخبرة المباشرة والتعددية وقابلية الخطأ في التعامل مع القضايا الاجتماعية الملموسة، على الرغم من أنّ أعمال الفلاسفة الذكور مثل جون ديوي وبيرس وويليام جيمس وجورج هربرت ميد تهيمن على أدب البراغماتيةالأمريكية الكلاسيكية، إلّا أنّه تعد كتابات جين آدامز توفر صوتًا براغماتيًا نسويًا فريدًا واستفزازيًا.

مفهوم التعددية:

جادلت آدامز بإدراج جميع أعضاء المجتمع في المؤسسة والسياسات والممارسات التي كان من المفترض أن تؤدي إلى التقدم الاجتماعي، على سبيل المثال في مقال نشر عام 1930 بعنوان (توسيع دائرة التنوير) أكدت آدامز أنّ التعددية لها تأثير نشط على المجتمع ويجب تبنيها بدلاً من الخوف منها، وبهذه الطريقة كان آدامز من أوائل المُنظرين الأمريكيين الذين رأوا قيمة التنوع.

اقترحت آدامز أنّه من خلال جلب تراثهم الثقافي إلى الولايات المتحدة منع المهاجرون أمريكا من أن تصبح ثابتة، وبالمقابل استفاد المهاجرون من الانخراط في التراث الثقافي الموجود في أمريكا الشمالية، فبالنسبة إلى آدامز تطلب التقدم الاجتماعي أن يتم سماع جميع الأصوات لكنها كانت تؤمن بقوة الذكاء الجماعي لإيجاد سبب مشترك من هذا التنوع.

كان تثمين آدامز للتنوع الثقافي شاملاً للغاية لدرجة أنّها دمجته في حججها السلمية، ففي (أحدث أفكار السلام) (Newer Ideal of Peace)، تؤكد آدامز أنّ المدن العالمية هي نموذج للسلام الدولي، على الرغم من عدم إضفاء الطابع الرومانسي على النزاعات بين المجموعات التي تحدث في المدينة، إلّا أنّ آدامز تعتمد على تجارب عديدة لأشخاص من تراث ثقافي مختلف يضعون اختلافاتهم جانبًا لتطوير علاقات العمل ومساعدة بعضهم البعض على النجاة من تحديات الحياة الحضرية.

تعتقد آدامز أنّه إذا كان بإمكان الأشخاص المتنوعين الذين يعانون من ضغوط آفة شيكاغو الحضرية أن يجدوا طريقة للعمل معًا، فيمكن لدول المجتمع الدولي أيضًا أن تتوصل إلى بعض التوازن دون عنف.

طبقت آدامز التزامها التعددي على الفهم الفكري، ورحبت هال هاوس بالمتحدثين من مختلف المناصب السياسية سواء وافق السكان على تلك المواقف أم لا، ولتعزيز هذا الانفتاح تجنبت آدامز الروابط الأيديولوجية لنفسها ولمجتمع هال هاوس، وبهذه الطريقة على الرغم من أنّها كانت متعاطفة مع العديد من حجج الاشتراكيين والفوضويين والنسويين ومختلف القادة المسيحيين، إلّا أنّها لم تقبل مطلقًا أي موقف أيديولوجي.

كما أنّها من خلال إظهارها للبراغماتية تجنبت التسميات السياسية لكنها اصطفت بشكل مختلف عندما كان ذلك يعني النهوض بقضية التقدم الاجتماعي، وفي العديد من المناسبات تم انتقاد آدامز وهال هاوس لعدم ربطهما بوضوح بمعسكر أيديولوجي.

مفهوم الديمقراطية لآدمز:

حافظت آدامز على تعريف قوي للديمقراطية انتقل إلى ما هو أبعد من فهمها فقط كهيكل سياسي، وبالنسبة لآدامز كانت الديمقراطية تمثل كلًا من نمط الحياة والأخلاق الاجتماعية، ولقد اعتبرت الديمقراطية بمثابة اعتراف بأنّ حياة المواطنين مرتبطة ببعضها البعض، وأنّ هذه العلاقة تخلق واجبًا لفهم نضالات وظروف المواطنين، وتعتبر المعاملة بالمثل في العلاقات الاجتماعية ضرورية لتزويد المواطنين بالأساس التعاطفي الضروري لتنشيط الديمقراطية.

كانت المستوطنات الاجتماعية تجارب في نوع الديمقراطية التي سعت آدامز إلى تعزيزها بمعنى واحدة من المشاركة الاجتماعية النشطة، ويصبح تعريف أدامز للديمقراطية أكثر وضوحًا في الديمقراطية والأخلاق الاجتماعية حيث توضح معادلتين وهما:

1- أولاً يجب أن تؤكد النظرية الأخلاقية في العصر الحديث على الأخلاق الاجتماعية.

2- ثانيًا بالنسبة لآدامز الديمقراطية هي الأخلاق الاجتماعية.

وصفت آدامز مجازًا الديمقراطية بأنّها كائن حيوي يجب أن ينمو مع تغير الزمن لكي يظل حيويًا، وفي أفكار السلام الأحدث تذهب آدامز إلى أبعد من ذلك لتقترح أنّ الوقت قد حان لتقدم المؤسسات السياسية والأخلاق في الولايات المتحدة، ووجدت بأنّ مؤسسي أمريكا الذين كانت معجبة بهم قد طوروا وثيقة الحقوق على أساس الإحساس الفردي بالأخلاق المناسبة لعصرهم.

ومع ذلك اعتبر آدامز الأخلاق الاجتماعية بمثابة الاستجابة المناسبة للنهوض المعاصر للمدن الكبرى جنبًا إلى جنب مع التحسينات في التكنولوجيا والنقل التي جمعت الكثير من الناس معًا، ولقد حان الوقت للتأكيد على العلاقات الاجتماعية الضرورية لديمقراطية نشطة في ظل الظروف التاريخية الحالية، ويصف بعض المعلقين آدامز بأنّه يدعو إلى (الديمقراطية الاجتماعية)، التي تؤكد على طريقة للتغلب على الهيكل السياسي.

لم يستلزم تثمين آدامز للديمقراطية موضوعًا ثابتًا للعاطفة، حيث أرادت أن تنمو الديمقراطية وتزدهر الأمر الذي يتطلب حوارًا وتغييرًا مستمرين، وبهذه الطريقة لم تخلط آدامز أبدًا بين حبها للديمقراطية والوطنية بلا خجل، وأيضًا في أحدث مبادئ السلام طورت آدامز مفهوم (الوطنية الكونية) بحجة أنّ التزام الفرد بالإنسانية يجب أن يتجاوز الحدود الوطنية.

مفهوم الخطأ لآدمز:

جانب آخر من عمل آدامز يميزه عن الأدب الفلسفي التقليدي هو التواضع، وباستخدام الطريقة التجريبية للبراغماتيين الأمريكيين وصف آدامز العديد من المشاريع التي قام بها مجتمع هال هاوس باسم تعزيز المعرفة المتعاطفة أو التقدم الجانبي، ومع ذلك لم تكن آدامز خائفة من سرد أخطائها في هذه الجهود، وبالنسبة لآدامز الأخطاء هي فرص للنمو وتستحق المخاطرة بالمشاركة النشطة.

في عملية عبور الحدود الطبقية والثقافية -الانتقال من المألوف إلى غير المألوف- لا بد من ارتكاب أخطاء، ولكن إذا تم ارتكابها بروح العناية والتواضع إذن فالأخطاء ليست مستعصية ولها القدرة على أن تصبح معلمين عظماء، ومرارًا وتكرارًا أظهرت النساء البيض من الطبقة العليا المتعلمات في الكلية اللائي هيمن على مجتمع هال هاوس، افتقارهن إلى الحساسية الثقافية وفقط لتزويد آدامز بحكاية لمزيد من التحليل الاجتماعي وفرصة للتعلم من الأخطاء، حيث كانت الأخطاء مجرد جزء من الدورة البراغماتية للفعل والتفكير.

عشرون عامًا في هال-هاوس يروي العديد من أخطاء آدامز، على سبيل المثال عندما أسست آدمز وصديقتها ستار المستوطنة لأول مرة، قاموا بتزويد هال-هاوس بزخارف الثقافة العالية التي كانوا مألوفين بها، وندمت آدامز في وقت لاحق على هذا النهج وأدرك الاغتراب الطبقي الذي يعززه الأثاث والستائر والأعمال الفنية وقامت لاحقًا بإزالة هذه العناصر للحصول على أثاث أبسط.

في حكاية أخرى من عملها عشرين عامًا في هال هاوس (Twenty Years at Hull-House)، أشرفت آدامز على بناء مقهى في هال هاوس لتزويد المهاجرين العاملين بمكان لشراء الطعام المغذي دون إغراء الكحول، كما كان متاحًا في الصالونات المحلية، على الرغم من جلب المعدات الحديثة واستخدام أحدث التقنيات في إنتاج الغذاء الاقتصادي والصحي، وأثبت المقهى أنّه لا يحظى بشعبية حتى مع سكان هال هاوس، وأدركت آدامز أنّ أبويتهم قد سادت مما أدى مرة أخرى إلى نفور مجتمعهم.

في النهاية أجروا تعديلات في القائمة على الأذواق المحلية وأصبح المقهى جزءًا ناجحًا آخر من مجمع هيل هاوس، على الرغم من مساهمته في التواصل الاجتماعي أكثر من المطبخ الذي يقدمه، والمثير للاهتمام في هذه الحكايات هو أنّ آدامز لا تحاول إخفاءها أو إضفاء لمسة إيجابية عليها، ومن منطلق الحساسية لتحريف مصالح ومواقف جيرانها، تصف آدامز ممارسة إحضار جيران هيل هاوس إلى عروضها التقديمية حتى لا يُنظر إليها ببساطة على أنّها الخبيرة الخارجية التي تشهد على النتائج التي توصلت إليها، وبهذه الطريقة عملت الأخطاء على تحسين ممارساتها.


شارك المقالة: