فلسفة أبيلارد في اللغة والمنطق

اقرأ في هذا المقال


في المقدمات والتمهيدات لأعمال الفيلسوف بيتر أبيلارد المختلفة، كتب أبيلارد أنّ الطالب يجب أن ينتقل من دراسة الكلمات إلى دراسة المقترحات ويكون كل ذلك بهدف التعلم عن الجدل، فبالإضافة إلى النظريات الدلالية فقد طور أبيلارد نظرية للمحتوى الافتراضى يُعتقد أنّه نشأ مع الفيلسوف الألماني جوتلب فريجه، ونظرية الصلاحية الشكلية للقياسات، ونظرية غير مفهومة جيدًا عن الشروط الحقيقية التي تختلف عن حساب القياس المنطقي.

فلسفة اللغة لدى أبيلارد:

تبدأ دراسة الكلمات بالفرض الأولي للكلمات وعند اكتشاف عناصر جديدة، ويفرض منشئ اللغة صوتًا تقليديًا لتسمية ذلك الشيء أو طبيعة أو خاصية لذلك الشيء، وتشير الكلمة إلى العنصر مباشرة بتسميته أو ترشيحه، وتقوم التسمية باختيار العنصر بشكل مباشر حتى لو لم يفهم المهاجم بشكل كامل الفرد أو الطبيعة أو الخاصية المسماة أو حتى إذا لم يفكر في الأمر بشكل صحيح تمامًا.

في الواقع كتب أبيلارد أنّ المفكّر والمستخدمين اللاحقين للكلمة قد يكونون جاهلين تمامًا بكيفية فهم الطبيعة أو الخاصية بشكل صحيح من خلال تسمية الأفراد بالكلمة -كما هو الحال مع كلمة (حجر)- ومع ذلك نجح في تسمية الفرد أو الأفراد وفُرضت الكلمة على الاسم.

أبيلارد وأشكال الدلالة على الكلمات:

يخصص أبيلارد شكلين متصلين للدلالة على الكلمات:

1- دلالة التفاهم.

2- دلالة الأشياء.

يوفر هذان الدلالة معنى أو محتوى الكلمات، فالكلمة المنطوقة تعني الفهم من خلال توليد فعل من الفهم في ذهن بعض المستمعين، ويجب أن يكون هذا الفهم الناتج هو نفسه الفهم في ذهن المتحدث، أي أنّ فهم المتحدث والمستمع لنفس الفرد أو الطبيعة أو الخاصية يجب أن يتوافق، ويقال أنّ الكلمة تعني الشيء الذي هو موضوع فعل الفهم.

أبيلارد واضح وصريح في القول بأنّ الكلمة لا تدل على صورة ذهنية أو مفهوم، وتتسبب الكلمة المنطوقة في أن يكون لدى المستمع فعل فهم -للتفكير في- الفرد أو الطبيعة أو الخاصية التي استخدم المتحدث الكلمة لتسميتها، حيث يتعلق فهم الطبيعة أو الخاصية بجميع الأفراد ذوي الطبيعة أو الممتلكات وكذلك الأمر بالنسبة للأفراد ولكن ليس لفرد واحد بشكل فريد.

فلسفة أبيلارد في اللغة والجمل:

يتم إجراء مناقشة أبيلارد للكلمات مع التركيز على الجمل، فالجملة عبارة عن مزيج من الكلمات وبالتالي فإنّ ما تدل عليه الجملة هو بمعنى مؤهل ما تدل عليه الكلمات، وسوف يسمي أبيلارد الفهم الناتج عن الجملة بأنّه (مركب)، ولكن هذا يعني فقط أنّ فهم المستمع يتم تجميعه قطعة قطعة عندما يسمع كلمات الجملة.

ومع ذلك فإن (الشيء) الذي تدل عليه الجملة لا يتكون من الأشياء التي تدل عليها الكلمات الفردية، بل بدلاً من ذلك تشير الجملة التصريحية إلى ما تم التأكيد عليه ليكون هو الحال، وهذه ليست حالة من الأمور ولا هي اقتراح إذا كان يُنظر إلى الأخير على أنّه عنصر ما في الأنطولوجيا، ويسمي أبيلارد هذا القول المأثور الجملة التصريحية: “سقراط يجلس” تشير إلى القول المأثور أنّ سقراط يجلس، وتكون الجملة صحيحة أو خاطئة إذا كان ما تؤكده هو الحال بالفعل.

تشير الجملة التصريحية إلى القول المأثور بتأكيدها ولكن ليست كل الجمل توضيحية، ومع تغيير طفيف في التنغيم يمكن نطق الجملة: “سقراط يجلس” كسؤال، فالمحتوى المقترح للجملة التصريحية والسؤال متماثلان، ويُنطق على أنّها جملة توضيحية ويتم التأكيد على أنّ سقراط يجلس، ويتم الإشارة إلى القول المأثور والجملة إما صحيحة أو خاطئة، ويُقال على أنّه سؤال فإنّ المحتوى الافتراضي هو نفسه ولكن لا يوجد تأكيد على أنّ سقراط يجلس، ولا يوجد قول مأثور.

فلسفة أبيلارد في المنطق:

يناقش أبيلارد العديد من المواقف المختلفة التي يمكن اتخاذها فيما يتعلق بنفس المحتوى الافتراضى ويطور هذه الأفكار إلى نظرية المنطق الافتراضى، وإنّه يتعامل مع الجمل الشرطية على أنّها تأكيدات على العلاقة بين المحتوى الافتراضى لما سبق وما يترتب عليه وليس كتأكيد على حقيقة أي منهما، كما أنّه يطور نظرية نفي الافتراض التي تحدد نفي: (كل ما هو B) على أنّه (ليس هو الحال أنّ كل ما هو B)، وهذا النفي يطفئ المحتوى المقترح وليس له أهمية وجودية، حيث رأى النفي الأرسطي التقليدي أنّ نفي (كل ما هو B) هو (البعض كما ليس B).

هناك العديد من الأفكار والابتكارات في مناقشة أبيلارد للحجة والاستدلال والاستدلالات، ومع ذلك هناك أيضًا بعض التوتر بين النصوص المختلفة ولم يتم فهم جميع آراء أبيلارد جيدًا حتى الآن، والأمر الجدير بالملاحظة هو تمييز أبيلارد بين الاستحقاق الكامل وغير الكامل.

يستلزم الكمال -القياس المنطقي أو الشرطي- صالح بحكم شكله، حيث رأى أبيلارد أنّ الحالة المزاجية المتعارف عليها للقياسات المنطقية -وشروطها- كانت صالحة رسميًا ولم تكن بحاجة إلى موضوع أو عرض أقصى لتبرير الاستدلال، ومعيار أبيلارد للاستدلال الكامل هو الاستبدال الشامل، وهي فكرة أخرى كان يعتقد أنّها نشأت بعد قرون.

القياس:

جميع ما هو (A) فهو كل (B).

جميع ما هو (B) فهو كل (C).

لذلك فإنّ:

جميع ما هو (A) فهو كل (C)، وصالحة لأي مصطلحات تحل محل (A) و(B) و(C)، ولا حاجة إلى أي شيء آخر غير البنية المنطقية الرسمية لتبرير الاستنتاج.

تتطلب الاستدلالات غير الكاملة المزيد لتبرير الاستدلال، وهنا يرسم أبيلارد تمييزًا إضافيًا بين القياس المنطقي والشرطي، فمعيار صحة القياس المنطقي غير الكامل هو أنّه من المستحيل أن تكون المقدمات صحيحة والنتيجة خاطئة، ومع ذلك فإنّ أبيلارد يسمح للحقائق غير الرسمية حول العالم طبيعة الأشياء (de natura rerum) بأن تضمن ضرورة الاستدلال القياسي، وهذه الحقائق حول العالم مقننة كموضوعات ومقترحات قصوى.

وكمثال على اقتراح قصوى جملة: “كل ما يُنسب للأنواع ينبثق من الجنس” لا تضمن فقط استنتاجًا من خلال النص على حقيقة غير رسمية حول العالم، بل يحد من نطاق الاستبدال المقبول لتلك المصطلحات التي تشير إلى الأجناس وأنواعها، ولم يتم العثور على ضرورة وجود قياس منطقي غير كامل في المنطق ولكن في الفيزياء.

أبيلارد لديه معيار أكثر صرامة للشروط، ففي المصطلحات المعاصرة نفى أبيلارد نظرية الاستنتاج، ولا يكفي أن يكون من المستحيل أن تكون السابقة صحيحة وأن تكون النتيجة خاطئة في نفس الوقت وقد تكون هذه العلاقة عرضية، ولكي يكون الشرط صحيحًا ويجب أيضًا أن يكون الفهم الذي تدل عليه السابقة (يحتوي) على فهم ما يترتب على ذلك.

مثال على شرطي حقيقي يقدمه أبيلارد هو جملة: “إذا كان الشيء جسدًا، فهو مادي”، فالجسدية موجودة في الفهم الذي يدل عليه مصطلح (الجسد) ولذا فإنّ هذا الشرط صحيح، ومع ذلك فإنّ عبارة: “إذا كان شيء ما جسدًا يتم تلوينه” خطأ، وإنّها حقيقة عن العالم أنّ كل جسم هو لون أو آخر، ولكن كونه ملونًا ليس موجودًا في فهم الجسد، لذلك في حين أنّ (X) هو جسم وبالتالي (X) ملون صالح فإنّ الشرط المقابل خاطئ، وقد أعرب تلميذه جون سالزبوري عن صدمته من أنّ أبيلارد سيقبل بعض القياسات المنطقية على أنّها صحيحة، ولكنه يرفض الشروط المقابلة لها باعتبارها خاطئة.


شارك المقالة: