فلسفة أبيلارد ونظرية المسلمات

اقرأ في هذا المقال


يُنسب إلى الفيلسوف بيتر أبيلارد كمؤسس للاسمية لادعائه بأنّ العام هو اسم (nomen) أو كلمة مهمة (sermo)، ويُنسب إليه أيضًا إلهام مدرسة من المتابعين تسمى الاسمية.

أجزاء فلسفة المسلمات لدى أبيلارد:

يتألف نقاشه من المسلمات من جزأين:

1-رفض الواقعية.

2- حل دلالي لمشكلة المسلمات.

في أبسط أشكالها فإنّ مشكلة المسلمات هي مشكلة شرح كيف أنّ فردين أو أكثر متماثلون أو متشابهون، فأفلاطون وسقراط كلاهما بشر ومع ذلك فهما فردان متميزان، عندئذ الواقعي يطرح شيئًا ما في العالم على وجه التحديد، والإنسانية عنصر عالمي يشترك فيه كل من أفلاطون وسقراط بطريقة ما، هذا العام المشترك يجعل كلا من سقراط وأفلاطون إنسانًا وهذا هو السبب في أنّ كلمة (إنسان) تنطبق بالتساوي على كليهما.

ينفي أبيلارد وجود أي عنصر كوني بهذا المعنى الواقعي، وحله لمشكلة المسلمات هو تفسير دلالي لكيفية تطبيق الكلمات العالمية على العديد من الأفراد المنفصلين عندما لا يكون هناك مشاركة عالمية من قبل هؤلاء الأفراد، بالنسبة للجزء الأول من حجته يرى أبيلارد عمومًا أنّه من الكافي دحض حجج واقعية معينة.

أهم كتب فلسفة أبيلارد في نظرية الواقعية:

أبرز ثلاثة في كتابات أبيلارد هي:

1- واقعية الجوهر المادي.

2- واقعية اللامبالاة.

3- الواقعية الجماعية.

فلسفة أبيلارد في نظرية واقعية الجوهر:

واقعية الجوهر المادي لها ثلاث أطروحات مركزية:

1- هناك عشرة جواهر عامة، واحدة تتوافق مع كل فئة من فئات أرسطو العشر، وتوجد هذه الجواهر العشرة الأكثر عمومية إلى حد ما دون تشكيل.

2- هذه الجواهر العامة هي (المادة) التي تشكلت في أجناس وأنواع فرعية بديلة بإضافة التفاضل، وهي السمات المميزة التي تحدد الأنواع التي ينتمي إليها كل نوع من المواد، والجوهر الأكثر عمومية هي المادة، حيث يتشكل إلى مادة جسدية ومادة غير جسدية عن طريق إضافة التمايز الجسدي وغير المادي، وهكذا إلى أسفل شجرة بورفوري.

3- يتم التفرد عن طريق إضافة أشكال عرضية، فعلى مستوى الأنواع عندما يتم تمييز المادة إلى مادة عقلانية ومميتة وحيوية وجسدية ومادة (بشرية)، تقسم إضافة الأشكال العرضية الجوهر المادي إلى أفراد منفصلين، ويشترك سقراط وأفلاطون في نفس الجوهر المادي للإنسانية تمامًا، ولكن أفلاطون طويل وله شعر بني بينما سقراط قصير وأصلع، وهذه الخصائص العرضية تجعلهم أفرادًا.

يشترك الأفراد في نوع أو جنس في الجوهر المادي الفردي، ولم يتم العثور على هذا الجوهر العالمي الخالص في العالم أبدًا، ولكن ويليام يدعي أنّه: “لا يتعارض مع الطبيعة ليكون شيئًا خالصًا إذا حدث أنّه تمت إزالة جميع حوادثه”، وإنّ هذه الممارسة المتمثلة في تجريد الأشكال العرضية من سقراط للوصول إلى إنسانية نقية ليست مجرد تمرين ذهني، ويمكن أن يحدث وبالتالي يكشف عن الجوهر العالمي الخالص الأساسي.

هذا هو مبدأ مادة عالمية واحدة تفردها الحوادث التي يختزلها أبيلارد إلى العبثية، فالواقعية المادية في الجوهر تجعل الفردانية نفسها مستحيلة، والحوادث التي من المفترض أن تفرّد الجوهر هي نفسها جوهر عالمي غير فردي، والجواهر المادية في فئات الجودة والكمية وما إلى ذلك، ويجب أيضًا أن يتم تمييزها عن طريق إضافة نموذج عرضي، ولا يمكن أن ينفرد الحادث بالجوهر إلّا إذا تم تحديد هذا الحادث أولاً.

فلسفة أبيلارد في نظرية واقعية اللامبالاة:

كتب أبيلارد أنّ: “الأشكال العرضية في حد ذاتها لا تختلف في جوهرها عن بعضها البعض، ولذلك لم يعد سقراط وأفلاطون متنوعين عن بعضهما البعض بسبب طبيعة الجودة أكثر مما هما بسبب طبيعة الجوهر”، ولا يمكن لواقعية الجوهر المادي أن تفسر وجود أفراد منفصلين.

رداً على ذلك صاغ ويليام نظرية واقعية ثانية عن المسلمات، حيث ترفض واقعية اللامبالاة المبدأ الأساسي لواقعية الجوهر المادي أي الجواهر المشتركة، ووافق ويليام الآن على أنّه مجرد حقيقة أساسية عن الأفراد أنّهم منفصلون تمامًا عن بعضهم البعض، وتم العثور على بذرة النظرية في غموض في الكلمتين (واحد) و(نفس الشيء)، ويدّعي ويليام أنّه: “عندما أقول إنّ أفلاطون وسقراط متماثلان، فقد أنسب هوية لنفس الجوهر تمامًا أو قد أعني ببساطة أنّهما لا يختلفان في بعض الجوانب ذات الصلة”.

ينطبق المعنى الأقوى لـ (واحد) و(نفس الشيء) على بيتر وسيمون، شاول وبول، كما يمكننا أن نقول شيشرون وتولي، أما أفلاطون وسقراط فإننا نقول إنّهم متماثلون من حيث أنّهم رجال، ونفس الشيء فيما يتعلق بالإنسانية، فكما أنّ أحدهما عقلاني كذلك الآخر، وكما أنّ أحدهما فاني كذلك الآخر، ولكن إذا أردنا أن نقدم اعترافًا حقيقيًا فلن تكون نفس الإنسانية في كل واحد بل هي إنسانية متشابهة لأنّهما رجلين.

لذا على الرغم من عدم وجود أمر مشترك بين أفلاطون وسقراط، إلّا أنّهما لا يزالان يُطلق عليهما (نفس) لأنّهما لا يختلفان، ويؤدي هذا إلى الادعاء الذي يرى أبيلارد أنّه مزعج للغاية حيث كل فرد هو عالمي وخاص.

الواقعية اللامبالاة ليست خروجًا تامًا عن واقعية الجوهر المادي، وعندما يتم تجريد الحوادث فلا يزال أفلاطون وسقراط كما هو وإن كان بمعنى أضعف (نفس الشيء)، وإنّهم لا يتشاركون في جوهر مادي ومع ذلك لا يختلفون، والواقعية في اللامبالاة لدى ويليام تنص على أنّه عندما يتم تجريد الحوادث الفردية من شخصين، فإنّ ما تبقى لك قد يكون مختلفًا عدديًا ولكن ليس أفرادًا مميزين، وهناك اثنان منهم ولكن لا يمكنك التمييز بينهما أو معرفة أيهما كان أفلاطون، وما تبقى لديك هو أشياء نقية فلا توجد خصائص فردية، وكل فرد هو نفسه كوني.

في أعماله الخاصة لم يشرح أبيلارد واقعية اللامبالاة بأي تفاصيل، ويلاحظ أنّ هذا الرأي أقرب إلى الحقيقة لكنه لا يشرح كيف ولماذا، وإنّه يرفض وجهة النظر القائمة على السخافة الميتافيزيقية لكون الفرد كونيًا، ومن وجهة نظر ويليام الثانية يعتبر سقراط النوع (الإنسانية).

إذا كان سقراط بقدر ما هو إنساني وهو عالمي، فإنّ سقراط في الواقع هو الذي ينبثق عن أفلاطون عندما نقول (أفلاطون إنسان)، وعلى العكس من ذلك إذا كان النوع (الإنسانية) هو الفرد فلا يمكن أن يكون عالميًا، وبحكم التعريف لا يمكن توقع فرد من كثيرين، وبالنسبة للادعاء الأساسي القائل بأنّ أفلاطون وسقراط متماثلان في أنّهما لا يختلفان في كونهما إنسانًا، ويرد أبيلارد أنّهما متماثلان أيضًا في أنّهما لا يختلفان في كونهما حجرًا، وإنّ الإشارة إلى أنّ الأشياء لا تختلف عن بعضها لا يفسر تشابهها أو اتفاقها أو تشابهها.

فلسفة أبيلارد في نظرية الواقعية الجماعية:

النظرية الواقعية الثالثة البارزة التي يدحضها أبيلارد هي الواقعية الجماعية، وهذا هو الرأي القائل بأنّ المجموعة الكاملة للأفراد الموجودة في نوع ما تشكل العالمية، على سبيل المثال فإنّ المجموعة الكاملة من البشر ستشكل (الإنسانية) العالمية، والمجموعة الكاملة من الحيوانات هي (الحيوان) العالمي وهكذا دواليك.

هجوم أبيلارد على هذا الرأي مدمر بنفس القدر، حيث أنّ الفكرة المركزية في أفضل حججه هي أنّ كونك فردًا من نوع أو جنس معين يكون ميتافيزيقي قبل إدراجه في المجموعة، وإذا كان هناك سبب مسبق لوضع فرد في مجموعة واحدة وليس أخرى، وإذا كان هناك طريقة صحيحة وخاطئة لوضع الأفراد في الأنواع فإنّ المجموعة لا تقوم بعمل الكون، والمجموعة لا تحدد الأجناس والأنواع وإنّها تعكس الأجناس والأنواع.

إذا لم يكن هناك مثل هذا المبدأ فإنّ أي مجموعة من العناصر العشوائية يمكن أن تكون جنسًا وأي مجموعة فرعية من تلك المجموعة ستكون نوعًا، حيث أنّ رجلين وسنجاب واحد وكوب ورقي يمكن أن يكون عالميًا، وإما أن تفشل الواقعية الجماعية في تفسير ما تدّعي تفسيره أو تتبنى مثل هذه الاصطلاحية الراديكالية حول الأنطولوجيا بحيث يتم اختزالها إلى العبثية، وكشف تفنيد أبيلارد لواقعية ويليام عن التزامه (أبيلارد) بعالم يسكنه أفراد منفصلون، ويكشف تفنيده للواقعية الجماعية عن الاعتقاد بأنّ الأفراد يقعون في أنواع طبيعية.


شارك المقالة: