فلسفة أرسطو ومفهوم اللذة والسعادة

اقرأ في هذا المقال


كثيرًا ما يؤكد أرسطو على أهمية المتعة في حياة الإنسان وبالتالي خصص في فلسفته ودراسته لكيفية العيش للإنسان. ومن الغريب أن تتلقى اللذة والمتعة علاجين طويلين في أعمال أرسطو الفلسفية، بحيث لا يوجد موضوع آخر في الأخلاق تتم إعادة النظر فيه بهذه الطريقة، فالكتاب السابع من الأخلاق النيقوماخية مطابق للكتاب السادس من الأخلاق الأوديمية وذلك لأسباب غير معروفة، فقرر المحرر الأول أن يدرج فيه علاج المتعة في عملين فلسفيين فالعملان متشابهان إلى حد كبير، ويتفقون على قيمة المتعة واللذة ويدافعون عن نظرية حول طبيعتها ويعارضون النظريات المتنافسة.

فلسفة أرسطو في طبيعة اللذة:

يعتقد أرسطو أنّ الحياة السعيدة يجب أن تشمل المتعة أو اللذة، ولذلك فهو يعارض أولئك الذين يجادلون بأنّ المتعة بطبيعتها سيئة، وإنّه يصر على أنّ هناك ملذات أخرى غير تلك الخاصة بالحواس، وأنّ أفضل الملذات هي تلك التي يختبرها الأشخاص الفاضلون الذين لديهم موارد كافية للنشاط الممتاز.

يقدم الكتاب السابع وصفًا موجزًا ​​لماهية المتعة وما هي غير المتعة، حيث أنّها ليست عملية ولكنها نشاط غير معاق لحالة طبيعية، ولا يشرح أرسطو ماهية الحالة الطبيعية، لكن من الواضح أنّه يدور في ذهنه الحالة الصحية للجسد خاصةً قدراته الحسية وحالة الروح الفاضلة، فلا يُقال إلّا القليل عن ماهية نشاط ما دون عوائق، لكن أرسطو يذكرنا بأنّ النشاط الفاضل يعوقه عدم وجود إمدادات كافية من الحاجات الخارجية.

اللذة ومعوقات الحالة الطبيعية:

قد يعترض المرء على أنّ الأشخاص المرضى أو الذين يعانون من قصور أخلاقي يمكن أن يشعروا باللذة، على الرغم من أنّ أرسطو لا يعتبرهم في حالة طبيعية.

ويوجد لدى أرسطو استراتيجيتان للاستجابة:

1- عندما يشعر المريض بدرجة معينة من المتعة أو اللذة أثناء استعادته صحته، فإنّ السرور الذي يشعر به يكون سببه حقيقة أنّه لم يعد مريضًا تمامًا، وجزء صغير منه في حالة طبيعية ويتصرف بدون عائق.

2- إنّ أرسطو على استعداد للقول إنّ ما يبدو لطيفًا لبعض الناس قد لا يكون في الواقع ممتعًا، تمامًا كما قد لا يكون المذاق المر غير صحي للحنك فأنّه قد لا يكون مرًا بالنسبة لأشخاص آخرين، حيث إنّ تسمية شيء ما متعة لا يعني فقط الإبلاغ عن حالة ذهنية ولكن أيضًا لتأييدها للآخرين.

لا يُقصد بتحليل أرسطو لطبيعة اللذة أن ينطبق على كل حالة يبدو فيها شيء ما ممتعًا لشخص ما، ولكن فقط على الأنشطة التي هي في الحقيقة ملذات، وكل هذه الأنشطة غير معوقة لحالة طبيعية.

يترتب على مفهوم المتعة أو اللذة هذا أنّ كل حالة من المتعة يجب أن تكون جيدة إلى حد ما، فكيف يمكن أن يكون نشاط غير معوق لحالة طبيعية سيئًا أو يعد مسألة لامبالاة؟ فمن ناحية أخرى لا يقصد أرسطو الإيحاء بأنّه يجب اختيار كل متعة.

ويذكر بإيجاز النقطة التي تتنافس فيها الملذات مع بعضها البعض، بحيث أنّ التمتع بنوع واحد من النشاط يعيق الأنشطة الأخرى التي لا يمكن القيام بها في نفس الوقت، وجهة نظره هي ببساطة أنّه على الرغم من أنّ بعض الملذات قد تكون جيدة، إلّا أنّها لا تستحق الاختيار عندما تتدخل في أنشطة أخرى أفضل بكثير.

علاوة على ذلك يسمح تحليل أرسطو له بالتحدث عن بعض الملذات على أنّها سيئة بلا مؤهل، على الرغم من أنّ المتعة هي نشاط غير معاق لحالة طبيعية، حيث إنّ وصف المتعة بأنّها سيئة بدون تأهيل هو الإصرار على تجنبها، ولكن مع السماح باختيارها مع ذلك في ظروف مقيدة.

متعة التعافي من مرض ما على سبيل المثال هي أمر سيء دون تأهيل، وهذا يعني أنّها ليست واحدة من الملذات التي قد يختارها المرء بشكل مثالي حتى إذا كان بإمكان المرء التحكم تمامًا في ظروفه، على الرغم من أنّها متعة حقًا وبالتالي يمكن قول شيء ما لصالحها إلّا أنّها أدنى من الحاجات الأخرى التي يجب على المرء أن يتنازل عنها بشكل مثالي.

ومع ذلك فهي متعة تستحق الحصول عليها إذا أضفنا المؤهلات التي لا تستحق الحصول عليها إلّا في ظروف غير مرغوب فيها، فلذة الشفاء من المرض جيدة لأنّ جزءًا صغيرًا من النفس يكون في حالة طبيعية ويتصرف دون عائق، ولكن يمكن أيضًا تسميتها سيئة إذا كان ما يعنيه المرء بهذا هو أنّه يجب على المرء تجنب الوقوع في موقف يختبر فيه المرء تلك المتعة.

اللذة والحياة السعيدة لدى أرسطو:

أشار أرسطو عدة مرات في أعماله الفلسفية عن الأخلاق إلى أنّ مجرد القول بأنّ اللذة خير لا يحقق العدل الكافي، كما أنّه يريد أن يقول إنّ أعلى حاجة هي اللذة أو المتعة، وهنا يتأثر بفكرة تم التعبير عنها في السطر الافتتاحي للأخلاقيات بأنّ الصالح هو ما تهدف إليه كل الأشياء.

تسعى النباتات والحيوانات غير البشرية إلى إعادة إنتاج نفسها لأنّ هذه هي طريقتها في المشاركة في سلسلة لا تنتهي، وهذا هو أقرب ما يمكن أن يتوصلوا إليه للتفكير المتواصل للمحرك غير المتحرك، ويوضح أرسطو هذه النقطة في العديد من أعماله.

اللذة ليست عملية لدى أرسطو:

يقدم الكتاب العاشر وصفاً أكثر تفصيلاً لماهية اللذة وما هي ليست كذلك، حيث إنّها ليست عملية لأنّ العمليات تمر بمراحل نمو، فمثلًا بناء المعبد هو عملية لأنّ المعبد ليس موجودًا في وقت واحد ولكنه يأتي إلى الوجود فقط من خلال مراحل تتكشف بمرور الوقت، وعلى النقيض من ذلك فإنّ المتعة مثل الرؤية والعديد من الأنشطة الأخرى ليست شيئًا يظهر إلى الوجود من خلال عملية التنمية أو النمو.

فإذا كنت تستمتع بمحادثة على سبيل المثال فلست بحاجة إلى الانتظار حتى تنتهي من أجل الشعور بالسعادة، حيث يسعدك النشاط على طول الطريق، وإنّ الطبيعة المميزة للمتعة هي أنّها نشاط يصاحب أنشطة أخرى وبمعنى ما يجعلها تكتمل، وتحدث المتعة عندما يتم تنشيط شيء ما بداخلنا بعد أن تم وضعه في حالة جيدة، وفيما يتعلق بجسم خارجي في حالة جيدة أيضًا، فتتطلب متعة الرسم على سبيل المثال تطوير القدرة على الرسم وكائن لديه اهتمام ليستحق الرسم.


شارك المقالة: